وقد بيَّنَ اللهُ خسارتَهُمْ وضَعْفَ عقولِهم وجَهْلَهم؛ فقد كان الواحدُ منهم يقتُلُ ولدَهُ خوفَ الفَاقَة، ويُطعِمُ كَلْبَهُ، خِسِرُوا في الدُّنيا أولادَهم، وفي الآخِرةِ رحمةَ اللهِ ورِضاهُ؛ فلا أقامُوا دُنيا، ولا حَفِظُوا دِينًا.
وفِعْلُ العربِ هذا كان في جاهليَّتِهم القريبةِ التي بُعِثَ فيها محمدٌ ﷺ، وليس في أُمَمٍ غابرةٍ؛ فإنَّ اللهَ يتكلَّمُ عمَّا كانوا عليه حالَ البَعْثةِ.
وقد رأيتُ مَن يُنكِرُ وَأْدَ الأولادِ ذكورًا وإناثًا ويَنفِيهِ عن العرب، ويَنسُبُهُ إلى غيرِهم، وهذا خطأٌ؛ فقد روى البخاريُّ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ ﵄؛ قال: "إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ العَرَب، فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِئِةً فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (١).
وأدُ الأجنَّةِ المعاصِرُ:
واليومَ يحصُلُ مِن بعضِ الناسِ وَأْدُ الأجنَّةِ بعدَ نفخِ الرُّوحِ فيها، وهو الوَأْدُ الجديدُ، بإسقاطِ الجنينِ خوفَ الفقرِ أو لتنظيمِ تسلسُلِ الأولادِ وتربيتِهم، وهذه عِلَلٌ وأعذارٌ أضعَفُ وأَوْهَى مِن أعذارِ الجاهليَّةِ الأُولى، ولكنَّ الجاهليَّةَ الأُولى فاقَتْ بعِظَمِ وأدِها أنَّها تَئِدُ مواليدَها بعدَ الولادة، والجاهليُّونَ اليومَ يَئِدُونَ الأنفُسَ في بطونِ أمَّهاتِها.
وأمَّا إسقاطُ الأَجِنَّةِ الحيَّةِ مِن البطون، فيأتي مزيدُ كلامٍ عليه عندَ قولِه تعالى في سورةِ الكهفِ: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ [٨٠].