أفضلُ مِنَ الصلاةِ في المسجدِ الأقدَمِ والأكبَرِ حجمًا إذا كانتْ فيه الجماعةُ أقلَّ؛ لظاهرِ النصوصِ، ولأنَّ الشريعةَ حَثَّتْ على الاجتماعِ أكثَرَ من تحديدِ مكانِهِ، إلا المساجدَ الثلاثةَ.
فما يُمكِنُ فيه الاجتماعُ وشُرِعَ ذلك جماعةً، فالمعيةُ أكملُ بتحقُّقِهما، كالصلاةِ جماعةً ونحوِ ذلك؛ ولذا لمَّا أمَرَ اللهُ إبليسَ بالسجودِ مع الملائكةِ لآدمَ، ولم يسجُدْ، وتخلَّفَ عن موافقتِهم جماعةً، جعَلَ ذلك مخالَفةً لأمرِهِ، فقال: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣٢]، وذكَرَ حالَهُ: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٣١].
وما شُرِعَ فيه العملُ منفردًا ولم يُؤمَرْ به جماعةً، وجاء الأمرُ به بقولِهِ: ﴿مَعَ﴾؛ كقولِهِ تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]، فيفعلُهُ الرجلُ في خاصَّتِهِ مع جماعةِ الناسِ الذين يُشارِكونَهُ هذا الوصفَ؛ فيكونُ مع الصادِقينَ بتَقْواهُ هو، وبالإسرارِ في مواضعِ الإسرارِ، والعلانيَةِ في موضعِ العلانيَةِ.
وجوبُ صلاة الجماعةِ:
واستُدِلَّ بهذه الآيةِ على وجوب صلاةِ الجماعةِ؛ ويؤيِّدُ ذلك ما جاء في "الصحيحينِ"، عن أبي هريرةَ ﵁؛ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)(١).