والنفقةُ حسَبَ القدرةِ؛ فاللهُ لا يكلِّفُ إنسانًا إلَّا بطاقتِه؛ وهذا ظاهرٌ في قولِه: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
وقولُه: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ إشارةٌ إلى حظوظِ النفسِ بين الزوجَيْنِ في الرَّضَاعِ؛ فالمصلحةُ في ذلك للولَدِ وحقِّه في الرضاعِ، فلا تدَعُ الوالدةُ رضاعَ ابنِها شقاقًا لأبيه، ولا يأخُذُ الوالدُ ولدَهُ مِن أمِّه شقاقًا لها، ولا تدَعُ الوالدةُ رضاعَ ولَدِها وهي مطلَّقةٌ لتتزوَّجَ وولَدُها يُريدُها مِن دونِ النِّساءِ.
تعيُّنُ الرضاعِ على الوالدةِ:
ولا يختلِفُ العلماءُ أنَّ الرضاعَ يتعيَّنُ على الوالدةِ في أحوالٍ؛ منها:
إذا لم يَقبَلِ الولَدُ ثديَ امرأةٍ إلَّا إيَّاها.
وإذا لم يوجَدْ مُرضِعةٌ غيرُها مِن النساءِ.
وإذا لم يَجِدِ الوالدُ نفقةَ الرضاعِ لغيرِها لفقرِهِ، تعيَّن عليها بما تستطيعُ.
وقولُهُ تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ المرادُ بالوارثِ مَن يَرِثُ المولودَ لو قُدِّرَتْ وفاتُهُ، فإذا فقَدَ والدَهُ، فيقومُ بكفايتِهِ في الرضاعِ والنَّفَقةِ عليه مَن يَرِثُهُ لو مات، والذي يجبُ على الوارثِ هو الذي يجبُ على الوالدِ سواءً؛ ما دامَ الطِّفْلُ غيرَ قادرٍ على كفايتِه، وهذا المقصودُ في الإشارةِ إليه بقولِه: ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾؛ أيْ: مِثلُ ما يجبُ على الوالِدِ.
وبهذا قال جماعةٌ مِن السلفِ؛ كمجاهِدٍ والحسَنِ وعطاءٍ وقتادةَ، وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ وإسحاقَ وأهلِ العراقِ.
والذي يجبُ على الوارثِ: القيامُ بما يجبُ على الوالدِ، ونصيبُهم بمقدارِ مَوَارِيثِهم، فلو كانوا إخوةً رجالًا فيتقاسَمونَ النفقةَ بالتساوي، وإذا كان معهم أخواتٌ فعلى الذَّكَرِ مثلُ ما على الأنثيَيْنِ.