ثمَّ أمَرَ اللهُ بالإشهادِ عندَ دفعِ الأموالِ للأيتامِ؛ حتى لا يقَعَ في النفوسِ ظنُّ سَوْءٍ، أو تَسْرِيَ على الوصيِّ والوليِّ وِشَايةُ مَكْرٍ وقالَةُ سُوءٍ، فتُفسِدَ ما بينَهُ وبينَ اليتيم وذوي رَحِمِهِ وقراباتِه.
وبعضُ مَن قال بأنَّ ما يأكُلُهُ الوليِّ والوصيُّ مِن مالِ اليتيمِ قرضٌ، حمَلَ الأمرَ بالإشهادِ في الآيةِ: على الإشهادِ عندَ سدادِ القرضِ وإعادتِه، والأظهَرُ: أنَّ المرادَ بالإشهادِ العمومُ في كلِّ حقٍّ لليتيمِ يُعادُ إليه؛ لأنَّ الآيةَ في حفظِ حقِّ اليتيمِ في مالِه، فيشمَلُ كلَّ حقٍّ له.
وقيل: إنَّ الأكلَ واجبٌ؛ لظاهِرِ الأمرِ، والأظهَرُ أنَّ الأمرَ للإرشادِ لا للفرضِ؛ لأنَّ اللهَ ائتمَنَ الوليَّ والوصيَّ على قبضِ مالِ اليتيمِ كلِّه، والمُتاجَرةِ به، والأكلِ منه عندَ فقرِهِ بالمعروفِ؛ فالأمانةُ عندَ تسليمِهِ وتوثيقُها أَهْوَنُ مِن ذلك؛ وإنَّما أمَرَ بالإشهادِ؛ دفعًا للتُّهَمَةِ وتَطْيِيبًا لنفسِ اليتيمِ وقراباتِه، وهذا أمرٌ مستحَبٌّ؛ لأنَّ التهمةَ في المُتاجَرةِ والكفالةِ أَقْوَى.
ولكنْ لمَّا كان الإشهادُ على مالِ اليتيمِ والنفقةِ عليه والأكلِ منه شاقًّا، لم يُوجِبْهُ اللهُ، وجعَلَ التخويفَ مِن عقابِ اللهِ ورقابتِهِ أقوَى في حفظِ مالِ اليتيمِ؛ لأنَّ اللهَ قال بعدَ الأمرِ بالإشهادِ: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾؛ يعني: شهيدًا رقيبًا، وهذه قرينةٌ على أنَّ الأمرَ بالإشهادِ للاستحبابِ؛ وهو قولُ أكثرِ العلماءِ.
وقد تقدَّمَ حُكْمُ الاتِّجارِ بمالِ اليتيمِ ومخالطِتهِ في سورةِ البقرةِ في قولِه تعالى: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [٢٢٠].