للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تركِ التسميةِ مِن الموحِّد، وقد تُترَكُ التسميةُ نسيانًا ولا يكونُ ذلك فِسْقًا؛ ولهذا جاء بيانُ ذلك القصدِ في مواضعَ؛ فذكَرَ اللهُ المحرَّماتِ وجعَلَ منها قولَهُ: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، فلم يذكُرِ اللهُ في موضعٍ واحدٍ ما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ وما لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليه؛ لأنَّ المقصودَ بهما معنًى واحدٌ، ولو كانَا معنيَيْن، لذُكِرَا جميعًا في آيةٍ واحدةٍ، ولكنَّهما يَتناوَبانِ بالقصدِ فيُغني أحدُهما عن الآخَرِ عندَ ذِكْرِه، والمعنى المشتَرَكُ بينَهما هو القصدُ.

تاركُ التسميةِ عند الذبح عمدًا:

والتارِكُ المتعمِّدُ للتسميةِ إنْ كان تركُهُ لها يَعتقِدُ عدمَ وجوبِ الذبحِ لله، فذلك فِسْقٌ كما في الآيةِ؛ لأنَّه شارَكَ المشرِكِينَ في عدمِ قصدِ الله، ولم يُشارِكْهُمْ في قصدِ أوثانِهم.

والمشابَهَةُ بينَ إنهارِ الدمِ بالذبحِ والتسميةِ وتركِهما، وقياسُ نِسْيانِ التسميةِ على نسيانِ الذبحِ والإماتةِ بالخَنْقِ أو الصَّعْقِ قياسٌ مع الفارقِ؛ لأنَّ عِلَّةَ الأمرِ بالذبحِ عدمُ حبسِ الدمِ في البهيمةِ؛ فنِسْيانُ الذبحِ كالعمدِ فيه، بخلافِ تعمُّدِ تركِ التسميةِ؛ فلا يُوجَدُ عِلَّةٌ تقومُ في المذبوحِ وإنَّما في الذابح، وما تعلَّقَ بالذابحِ إنْ جعَل القصدَ لغيرِ الله، فهي محرَّمةٌ، لا لخُبْثِ لحمِها؛ وإنَّما لحُكْمِها، كتحريمِ الذهبِ والحريرِ على الرِّجال، وتَلبَسُهُ النِّساءُ، فهذا مِن الأحكامِ التي لا تتعلَّقُ عِلَّةُ التحريمِ فيها بنجاسةِ العَيْنِ المحرَّمة، وإنَّما بما اقترَنَ بها.

ومَن تعمَّدَ تركَ التسميةِ تهاوُنًا ولم يَقصِدْ بها غيرَ اللهِ ولم يُسَمِّ غيرَه، فلا تحرُمُ ذبيحتُهُ على الأرجح، وإنْ قيل بتأثيمِهِ.

فالقولُ بوجوبِ التسميةِ عندَ الذبحِ مع عدمِ تحريمِ المذبوحِ عندَ تعمُّدِ تركِها، أقرَبُ إلى الصوابِ مِن القولِ بوجوبِ التسميةِ وتحريمِ أكلِها

<<  <  ج: ص:  >  >>