للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لفلانٍ؛ يعني: لا كاسِبَ له؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ [الأنعام: ٦٠]، والمرادُ: ما كَسبتُموهُ في النَّهار، وخَصَّ النَّهارَ؛ لأنَّه محلُّ الكَسْبِ وجَلْبِ الرِّزقِ.

تعريف الجارح المُعلَّم:

والجارحُ المُعلَّمُ هو الذي إذا أُمِرَ ائتمَر، وإذا زُجِرَ انزجَر في قصدِ الصيد، وليس المرادُ بالمُعلَّم عمومَ التعليمِ الذي يَعلَمُ الركوبَ والنزولَ مِن الدوابّ، أو القيامَ والقعودَ، والذَّهاب والمجيءَ؛ وإنَّما المرادُ عِلمُ الصيدِ والأمرِ والزَّجْرِ المُتعلِّقِ به.

وقولُه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾: دليلٌ على تحريم ما صادَتْه الجوارحُ المُعلَّمةُ لنفِسها، فقولُه، ﴿أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾؛ يعني: حَبَسْنَ لكم؛ يُقَالُ: أمْسِكْ عليك لسانَك أو مالَك؛ يعني: احبِسْهُ لك، وفي "الصحيحَين"؛ من حديثِ عديٍّ؛ قال : (إِذَا أرسَلْتَ كَلْبَكَ، وَذَكَرتَ اسمَ الله، فَكُلْ، فَإِنْ أكَلَ مِنْهُ، فَلَا تأكُلْ؛ فَإنَّهُ إِنَّمَا أمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ) (١)؛ وذلك أن الكلبَ قد يَصِيدُ لنفسهِ جوعًا أو نسيانًا، فنسيانُهُ أولى مِن نسيانِ الإنسان، وعلامة ذلك؛ الأكلُ، فإن أكَلَ، لم يحِلَّ ما أكَلَ منه، لانتفاءِ قصدِ صيدِه لصاحِبِه، ولو كان يَحِلُّ ما صادَهُ الكلبُ المُعلَّمُ ولو لنفسِه، لم يكنْ لِعلَّةِ التعليمِ معنًى في الآية، ولا لقوله: ﴿أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾، فالله أكَّدَ قصدَ صيدِهِ لصاحِبه في موضعَيْنِ:

الأولُ: في تقييدِ حِلِّ صيدِ الجوارحِ المُعلَّمةِ فقطْ.

الثاني: ذِكْرُ الإمساكِ عليهم؛ لأنه قد يكونُ معلَّمًا وَيصِيدُ لنفسِه، فشدَّدَ في هذا القصدِ حتى في الجارحةِ المعلَّمة، مع أنَّ الأصلَ في المُعلَّمةِ؛ حضورُ القصدِ في الصيدِ لصاحِبِها.


(١) أخرجه البخاري (٥٤٨٦) (٧/ ٨٨)، ومسلم (١٩٢٩) (٣/ ١٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>