للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاةِ؛ لأنَّه كان يَنْفِيها مجتهدًا كقولِ الكوفيِّينَ، وتركُ العملِ بالرفعِ شيءٌ، ونفيُ كونِهِ سُنَّةً في الصلاةِ شيءٌ آخَرُ.

ومَن جاءَ عنه مِن السلفِ في الفروعِ طلبُ المباهَلةِ فقطْ، وليس أنَّها حصَلتْ بينَهُ وبينَ أحدٍ مِن إخوانِه، فلعلَّ هذا لإثباتِ اليقينِ بالحقِّ، والإعلامِ بالصِّدْقِ.

المباهَلَةُ على الأمرِ البيِّنِ:

والأمرُ المُتَّفَقُ عليه: أنَّ المُباهَلةَ لا يجوز إلا أنْ تكونَ بعدَ علمٍ وبيانٍ، ووضوحٍ وبرهانٍ، لا بظنٍّ ووهمٍ؛ ولذاقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا}، وتكونُ المُباهَلةُ بعدَ المناظرةِ والعجزِ عن الإقناعِ بالحقِّ لهوًى وعنادٍ وكِبْرٍ في الخَصْمِ.

ولم يأمُرِ اللهُ نبيَّه أنْ يُباهِلَ أحدًا إلا النصارى؛ لِعِظَمِ باطلِهم بنسبةِ عيسى ولدًا للهِ، مع وضوحِ باطِلِهم وشرِّه؛ ولذا قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)} [مريم: ٨٨ - ٩٣] , وقال تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: ٤٠].

ولا ينبغي استسهالُ المُباهَلةِ في كلِّ أمرٍ ولو كان قطعيًّا؛ حتى لا تُسَتسهَلَ الأَيْمَانُ ولا يُعظَّمَ المحلوفُ به والمسؤولُ سبحانَه، فاللهُ يقولُ في اليمينِ المجرَّدةِ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] , فكيف بالأيمانِ المغلَّظةِ؟ ! ووضوحُ الحقِّ لا يعني المُباهَلةَ عيه حتى تُرى آثارُها في الناسِ؛ تحقيقًا للحقِّ، ودفعًا للباطلِ، ولو شُرِعَتِ المُباهَلةُ في كلِّ أصلٍ قطعيٍّ، فما مِن أصلٍ قطعيٍّ في الشريعةِ إلا وفيه مخالِفٌ وجاحِدٌ، ومُكابِرٌ ومُعانِدٌ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>