وأمَّا إذا وجَدَ مالًا غيرَ مالِه، ولكنَّه يُساويهِ أو هو أقلُّ منه؛ هل له أن يَأخُذَهُ عن حقِّه أو بعضِهِ؟ هما قولانِ للعلماءِ، والصوابُ جوازُ ذلك إذا كان هذا لا يُفضِي إلى مَفْسَدةٍ عليه أشدَّ.
قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أمَرَ اللهُ بتَقْواهُ، محذِّرًا من البغيِ في القتالِ، وأن يكونَ القتالُ بالقَدْرِ الذي يُدفَعُ به عُدْوانُهم وشَرُّهم، وبالتَّقوى يكونُ العبدُ مع اللهِ بحِفْظِهِ ورِعايتِهِ وتسديدِهِ والنَّظَرِ إليه، وفي ذلك: إشارةٌ إلى أنَّ معيَّةَ اللهِ لعبدِهِ بقَدْرِ تَمسُّكِهِ بتَقْواهُ وقُرْبِهِ منه، ولا يُصابُ عبدٌ إلَّا بسببِ ذنبٍ اقترفَهُ؛ لهذا فأحوَجُ ما يكونُ الإنسانُ في أزمنةِ الفِتَنِ وِالشدائِدِ إلى التقوى والاستغفارِ من الذنوبِ؛ حتَّى يزولَ الذنبُ، فتزولَ آثارُه.
وقد ذكَرَ اللهُ الأمرَ بتَقْواهُ بعدَ أنْ ذكَرَ القتالَ؛ ليبيِّنَ أنَّ العِبْرةَ بتقوى الإنسانِ للهِ أكثرُ مِن العِبْرةِ بالعددِ والمالِ؛ فالأبدانُ والعُدَّةُ لا تكفي ما دامَتِ العزائمُ ضعيفةً لا تُقاتِلُ عقيدةً، وإنَّما تقاتِلُ حَمِيَّةً وعصبيَّةً لِنَسَبٍ أو مُلْكٍ.
ولا تكونُ معيَّةُ اللهِ وعنايتُهُ وتأبيدُهُ للمقاتِلِ حتَّى يكونَ بتقوى؛ ولذا قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، فإذا ضَعُفَتْ معيَّةُ اللهِ لعبدٍ، ضَعُفَ انتصارُهُ، ووكَلَهُ اللهُ إلى نفسِه، وكُلَّما زادَتِ التقوى والعبوديَّةُ، زادت كفايةُ اللهِ للعبدِ؛ كما قال اللهُ: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦].
والآيةُ دليلٌ على أهميَّةِ وصيَّةِ المجاهِدِ بنَفْسِهِ ومالِهِ بتقوى اللهِ، وتذكيرِهِ بوجوبِ التقرُّبِ إلى اللهِ؛ لِيَقرُبَ اللهُ منه، حتَّى لا يَتَّكِلَ على نفسِهِ وقوَّتِهِ، فيَكِلَهُ اللهُ إليها.