للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: ٣٢].

ونصوصُ القرآنِ الأصلُ فيها أنَّها غائيَّةٌ؛ أيْ: يُرادُ بإطلاقِها أقصَى ما يدخُلُ فيها في اللُّغَةِ والعُرْفِ، ولا يخرُجُ مِن ذلك إلا ما دلَّ الدليلُ عليه؛ ولذا يُقالُ: "إنَّ الأصلَ في المأكولاتِ الحِلُّ إلا ما حرَّمَه اللهُ"؛ وذلك أنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩]، وما لم يدخُلْ تحتَ التفصيلِ والبيانِ، فهو يَرجِعُ إلى الأصلِ.

وقد دَلَّتِ الأدلةُ - منطوقًا ومفهومًا - في مواضِعَ متعدِّدةٍ: على أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الحِلُّ، وأنَّ عدَمَ تفصيلِ الشيءِ بالتحريمِ أو الكراهةِ دليلٌ على إباحتِه.

وقد روى الحاكمُ، عن أبي الدرداءِ؛ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ) (١).

هل لاستخباثِ النَّفْسِ أثَرٌ في التحريم؟

وإذا عافَتِ النَّفْسُ شيئًا، ليس لها أنْ تُطلِقَ عليه تحريمًا؛ لأنَّ التحريمَ لا يكونُ مرتبِطًا برَغْبةِ النفسِ، وقد عافَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الضَّبَّ ولم يحرِّمْهُ؛ واستَدَلَّ بهذا عمرُ - رضي الله عنه -؛ فقد ذهَبَ إلى جوازِ أكلِ الضبِّ؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحرِّمْهُ؛ كما أخرَجَهُ مسلمٌ عنه في "صحيحِه" (٢).

وإذا كان هذا في نفسِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فغيرُها مِن النفوسِ مِن بابِ أَولى ألَّا تحرِّمَ ما تَعَافُهُ.

صُوَرُ بيانِ الحلالِ:

وفي الشريعةِ يأتي بيانُ حِلِّ الشيءِ في صُوَرٍ شتَّى؛ منها: النصُّ


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٣٤١٩) (٢/ ٤٠٦).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٥٠) (٣/ ١٥٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>