لصاحِبِها؛ وذلك لِما يَلحَقُ المؤمِنينَ مِن أذًى، وأعظَمُ الأذى القذفُ في العِرْضِ، وما يَتْبَعُهُ مِن طعنٍ في النَّسَبِ، وزُهْدِ الناسِ في القُربِ مِن المقذوفِ، وتَعدِّي ذلك إلى أهلِهِ وولدِ ومَنِ اتصَلَ به بسببٍ ونَسَبٍ؛ ولهذا قدَّرَ اللَّهُ على بعضِ نِسَاءِ الأنبياءِ الكُفْرَ، ولكنَّه لم يُقدِّرْ على واحدةٍ منهنَّ العَهْرَ؛ لأنَّ العَهْرَ يتعدَّى إلى عِرْضِ الزوجِ، والكفرُ لازمٌ لمَن كفَرَ لا يتعدَّى إلى أهلِهِ؛ ولذا عَدَّ النبيُّ ﷺ قَذْفَ المُحصَناتِ مِن المُوبِقاتِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ من حديثِ أبي هريرة؛ قال ﷺ:(اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:(الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ)(١).
والحِكْمةُ في عدمِ ذِكْرِ النبيِّ ﷺ(الزِّنى) مِن السَّبْعِ المُوبِقاتِ في حديثِ أبي هريرةَ: أنَّه ذكَر قَذْفَ المُحصَناتِ به؛ للدَّلالةِ على بشاعتِه؛ فإنَّ مجرَّدَ القذفِ به مُوبِقٌ ومُهلِكٌ، فكيف بالوقوعِ فيه؟ ! فاتِّهامُ بريءٍ به مِن السَّبْعِ المُوبِقاتِ، فكيف لو زَنى القاذفُ نفسُه؟ ! وهذا نظيرُ اتهامِ أحدٍ بالكفرِ وهو بريءٌ منه، فهو عظيمٌ، ووقوعٌ القاذفِ في الكفرِ أعظَمُ مِن ذلك.
القذفُ الصَّرِيحُ والكنايةُ:
لا يختلِفُ الفقهاءُ على أنَّ القذفَ الصريحَ يُقامُ فيه الحَدُّ كالرمي بالزِّنى، وإنَّما اختلَفُوا في إقامتِهِ على القذفِ غيرِ الصريحِ؛ وذلك لاختلافِ الناسِ في مُرادِ المتكلِّمِ وفهمِ السامعِ له؛ فإنَّ ألفاظَ الكنايةِ تختلِفُ في قُرْبها مِن الصريحِ، فليستْ متطابِقةً في مُرادِ السامعِ ولا في