للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثبَت عن عمرَ جوازُ تزويجِ الزانيةِ بعدَ التوبةِ؛ وهو الصحيحُ؛ بشرطينِ:

الأولُ: التوبةُ ممَّا بدَرَ منها؛ فمَن تاب مِن ذنبٍ، كان في حُكْمِ مَن لم يَقترِفْهُ، وقد روى طارقُ بنُ شهابٍ: "أنَّ رجلًا أراد أن يُزَوِّجَ ابنةً، فقالتْ: إنِّي أخشى أنْ أَفضحَكَ؛ إنِّي قد بَغَيْتُ! فإتى عمرَ، فقال: أليستْ قد تابتْ؟ قال: نعم، قال: فزوِّجْها"؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي شيبةَ (١).

ورُوِيَ عن عمرَ: "أنَّه أمَرَ بسَتْرِها وتزويجِها على ما صلَح مِن حالِها" (٢).

الثاني: وجوبُ استبراءِ الرحمِ؛ فلا يجوزُ إنكاحُ الأمَة والزانيةِ حتى يُستبرَأَ رحمُها مِن ماءِ غيرِها بحَيْضَةٍ.

ومِن السلفِ مَن عَدَّ هذه الآيةَ: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً﴾ منسوخةً بقولِهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢]؛ وبهذا قال ابنُ المسيَّبِ (٣) والشافعيُّ (٤)، ولا تعارُضَ بينَ الآيتَيْنِ؛ فكلٌّ له بابُه، والثانيةُ عامَّةٌ، والأولى خاصَّةٌ في حُكْمِ الزانيَينِ.

* * *

* قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٤ - ٥].

قذفُ المُحصَناتِ مِن أكبرِ الكبائرِ، وهو مِن المُوبِقاتِ المُهلِكاتِ


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٦٩٣٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٠٦٨٩).
(٣) "تفسير الطبري" (١٧/ ١٥٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٥٢٤).
(٤) "تفسير ابن كثير" (٦/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>