للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومُدَّتِهم - مع أَبِيهَا، فاستفتَتْ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عليَّ وهِيَ راغِبةٌ - تطلُبُ العَوْنَ - أَفأَصِلُها؟ قال: (نَعَمْ، صِلِيهَا)؛ رواهُ البخاريُّ (١).

وهذا ظاهرُ القُرآنِ في قولِهِ تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨]، وتدخُلُ الهديةُ مِن هذا البابِ؛ لأنَّ الهَدَايَا تحبِّبُ النفوسَ وتستميلُ القلوبَ للمُهْدِي، وقد رُوِيَ في الحديثِ: (تَهَادَوْا تَحَابُّوا) (٢)، والآيةُ أخرَجَتِ الكافرَ الحَرْبيَّ، فلا يجوزُ الصدقةُ له، إلا لمَنْ غلَبَ على الظنِّ دفْعُ شرِّهِ وجلْبُ خيرِهِ؛ كهديَّةِ عُمرَ لأخيهِ في مَكَّةَ قميصًا.

إعطاءُ الفاسقِ والمنافقِ تأليفًا لقلبِهِ:

وإذا أُعطِيَ الكافرُ تأليفًا لقلبِهِ، فيُعطَى المسلِمُ ضعيفُ الإسلامِ ليحسُنَ إسلامُهُ ولو كان غنيًّا، إذا عُلِمَ ذلك مِن حالِه؛ ليُؤمَنَ شَرُّهُ، فشرُّ بعضِ فُسَّاقِ المسلِمِينَ ومنافِقِيهِمْ على الإسلامِ ربَّما يزيدُ عَلَى شرِّ بعضِ الكفَّارِ المعاهَدِينَ؛ فقد يكونُ المنافِقُ والفاسِقُ يُخشى عليهِ أنْ يكونَ عينًا للمشرِكِينَ أو كائِدًا متربِّصًا ببَيْضةِ الإسلامِ، والمالُ يكسِرُ قلبَهُ ويُطفِئُ هواهُ، وفي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي سعيدٍ؛ أنَّ عليًّا بعَثَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ في تُرْبَتِها مِن اليَمَنِ، فقسَّمَها بينَ أربعةِ نَفَرٍ: الأَقْرَعِ بنِ حابِسٍ، وعُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ، وعَلْقَمةَ بنِ عُلَاثَةَ، وزَيْدِ الخَيْرِ، وقال: (أَتَأَلَّفُهُمْ) (٣).

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعطي الطُّلَقاءَ، وبعضَ مَن يَخشى بُعْدَهُ عن الحقِّ


(١) أخرجه البخاري (٣١٨٣) (٤/ ١٠٣).
(٢) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٥٩٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ١٦٩)، وفي "الشعب" (٨٩٧٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٤٤) (٤/ ١٣٧)، ومسلم (١٠٦٤) (٢/ ٧٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>