للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه تعالى: ﴿عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ فيه دليلٌ على وجوبِ الوفاءِ بالعهدِ والميثاقِ وعِظَمِ منزلتِه، مع ما فيه مِن مشقَّةِ تركِ نُصْرةِ مُسلِمينَ مُقصَّرينَ؛ على ما تقدَّمَ مِن وصفٍ وحالٍ.

عهودُ النُّصْرةِ بينَ المُسلِمِينَ والكافِرِينَ:

ومضامينُ العهودِ والمواثيقِ التي تكونُ بينَ المُسلِمِينَ والكافِرِينَ على نوعَيْنِ:

الأوَّل: عهودٌ تتضمَّنُ المُماثَلةَ بالوَلَاءِ لكلِّ صديقٍ، والعَدَاءِ لكلِّ عدوًّ، فيتعاهَدُ المُسلِمونَ مع قومٍ كافِرِينَ على أنَّ عدوَّهم واحدٌ، وصديقَهم واحدٌ، ولا يُفرِّقونَ بينَ مؤمِنٍ وكافِرٍ؛ فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّه يَجْعَلُ حقًّا قوقَ حقِّ اللهِ، ويُعقِدُ البَرَاءَ والوَلاءَ على غيرِ حقِّ اللهِ.

الثاني: عهودٌ تتضمَّنُ المماثَلةَ بالنُّصْرةِ المشروطةِ بالعَدَاءِ لأُمَّةٍ كافرةٍ مُعادِيَةٍ، أو مشروطةٍ بصدِّ العُدْوانِ والبغيِ والظُّلْمِ الذي يَطرَأُ على واحدٍ منهما؛ فهذا لا يجوزُ إلَّا في حالِ ضَعْفِ المُسلِمينَ عن القيامِ بأنفُسِهم، وهي ضرورةٌ يُقدِّرُها العارِفونَ الأُمناءُ فيَتعاهَدونَ إلى أَمَدٍ، لا إلى أَبَدٍ؛ حتى لا يَركَنُوا إلى الكافِرِينَ فيَستحِقُّوا الوعيدَ مِن اللهِ: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (١١٣)[هود: ١١٣].

وإذا كان الكفارُ تحتَ حُكْمِ المُسلِمِينَ، فلهم أنْ يُعاهِدُوهم على حِمَايتِهم ونُصْرةِ مظلومِهم، لا أنْ يَتساوَوْا زمنَ قُوَّتِهم وكِفايتِهم: بأنفُسِهم في المُوالاةِ على أحدٍ ولا البَرَاءِ مِن أحدٍ؛ لأنَّ هذا رُكُونٌ نهَى اللهُ عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>