للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ؛ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى المُؤمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ) (١).

وأمَّا ما وقَعَ مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مع مُشرِكي قريشٍ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ حينَما صالَحَهم على رَدَّ مَن أسلَمَ وهاجَرَ مِن مَكَّةَ إليهم، فلم يُؤْوِه، فضلًا عن أنْ يَنْصُرَهُ، فذلك بابٌ ضيَّقٌ مَرَدُّهُ إلى مصلحةٍ ضيَّقةٍ، لا يُدرَكُ مِثلُها إلَّا في وحيِ وبصرٍ ثاقبٍ وحالٍ مُشابِهةٍ، فقد سبَقَ ذلك أعوامٌ دُعِيَ المُسلِمونَ بمَكَّةَ إلى الهجرة، فتثاقَلُوا، ولهم مِن السبيلِ ما يَخرُجونَ إليه مِن واسعِ الأرضِ؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: ٩٧]، فلهم مُهَاجَرٌ إلى غيرِ المدينةِ ومَلجَأٌ إلى غيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بخلافِ مَنْ كان لحي بَلَدٍ لا مَلجَأَ له لا في أرضِ كُفْرٍ ولا في أرضِ إسلامٍ.

وإن كان في الأمَّةِ ضِيقٌ وشِدَّةٌ، وفي الكفرِ قُوَّةٌ وبأسٌ، وكانتْ حالُ المُسلِمينَ كحالِ النبيِّ وصَحْبِه، وحالُ المُسلِمينَ المظلومينَ كحالِ الأعرابِ ومَن كان بمَكَّةَ، وفي الأرضِ سَعَةٌ وفُسْحةٌ ومَلجَأٌ، فله أنْ يَفْعَلَ كفعلِه، واللهُ أعلَمُ، وليس لسُلْطانِ المُسلِمينَ وحاكِمِهم أنْ يَمنعَ هجرةَ المُسلِمينَ مِن بلدِ الكُفْرِ إلى بُلْدانِ المُسلِمينَ، ويَضَعَ الميثاقَ مع الكافِرِينَ على عدمِ نُصْرةِ المُسلِمينَ المظلومينَ في بَلَدِهم.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٨)، ومسلم (١٧٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>