للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين كانوا بمَكَّةَ؛ فقد وجَبَتْ عليهم الهِجْرةُ، فلم يُهاجِروا، فلمَّا آثَرُوا بقاءَهم بمَكَّةَ على اللَّحَاقِ بالمؤمنينَ، سقَطَ حقُّهم في نُصْرةِ المؤمنِينَ لهم على قومٍ بينَهم وبينَ المُسلِمينَ مِيثَاقٌ وهُدْنةٌ؛ كما قال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾.

وهدا مشروطٌ بتوافُرِ الهجرةِ وتَرْكِهم لها مِن تِلْقاءِ أَنْفُسِهم، وأمَّا إنْ كانتِ الهجرةُ واجِبِةً عليهم، ولا يَجِدُونَ بلدًا يُؤْوِيهِم كما هو في كثيرٍ مِن المُسلِمينَ اليومَ في بلادِ الكُفْرِ؛ لا يجدُ كثيرٌ منهم بلدًا مسلِمًا يُهاجِرونَ إليه؛ وذلك للأنظِمةِ الحادتةِ التي تُؤْثِرُ الأرضَ لأهلِها، وتُقدَّمُ في البقاءِ الكافرَ مِن أهلِها، وتَمْنَعُ المسلِمَ المُهاجِرَ إلَّا في أبوابٍ ضيَّفةٍ كعملٍ وحِرْفةٍ مؤقَّتةٍ.

فإذا انسَدَّ بابُ الهِجْرة، وأُغلِقَ بابُها دونَ مَن رَغِبَ في الهِجْرة، فليس للمُسلِمينَ تركُ نُصْرةِ أولئك المظلومينَ في بُلْدانِهم إنْ نزَلَ عليهم بَغْيٌ وظُلْمٌ وقهرٌ، بحُجَّةِ أنَّ بينَ المُسلِمينَ وبينَ دُوَلِ الكُفْرِ التي يُقِيمونَ فيها عهدًا وميثاقًا؛ فإنَّهم لو فُتِحَ بابُ الهجرةِ لهم، وامتنَعُوا كما امتَعَ كثيرٌ مِن مُسلِمي الأعرابِ ومَن كان بمَكَّةَ، لَسَقَطَ حقُّهم في النُّصْرةِ على قومٍ بينَهم وبينَ المؤمنِينَ ميثاقٌ.

وقد رَوَى أحمدُ ومسلمٌ؛ مِن حديثِ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ؛ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَو سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: (اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِبلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ - أَو خِلَالٍ - فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَام، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>