للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا ما يشتبِهُ على بعضِهم ممَّا ورَدَ عن عبدِ اللَّهِ بنِ أبي أَوْفَى -رضي اللَّه عنه-: "أنَّه سُئِلَ: هل رجَمَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقَالَ: نَعَمْ، ثمَّ سُئِلَ: بَعْدَمَا أُنزِلَتْ سُورَةُ النُّورِ أَمْ قَبْلَهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي" (١).

فجعَلُوا نزولَ سورةِ النورِ ناسخًا للفعلِ السابقِ، وتكلَّفُوا أنَّ الرجمَ كان قبلَها؛ لعدمِ عِلْمِ ابنِ أبي أَوفى، فعبدُ اللَّهِ بنُ أبي أَوفى لم يُنكِرِ الرجمَ، بل نَفَى عِلْمَهُ بتوقيتِهِ، فحمَلُوا نفيَهُ للزمانِ على شَكِّهِ في الحُكْمِ، وهذا باطلٌ لم يقُلْهُ ولا فَهِمَهُ عنه أحدٌ مِن السلفِ ولا الفقهاءِ في قرونِ الإسلامِ الفاضلةِ، والرجمُ كان بعدَ سورةِ النورِ قطعًا؛ وذلك أنَّ نزولَ سورةِ النورِ كان في قصةِ الإفكِ، وهي بينَ الأربعِ والستِّ للهجرةِ، لا قبلَ ذلك ولا بعدَهُ، والرجمُ كان بعدَها، وقد حضَرَهُ أقوامٌ مِن الصحابةِ، وإنَّما كان إسلامُهم بعدَ حادثةِ الإفكِ كأبي هُرَيْرةَ، فقد حضَرَهُ وإنَّما أسلَمَ هو قبلَ وفاةِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأربعِ سِنِينَ؛ كما قالهُ حُمَيْدُ بنُ عبدِ الرحمنِ عنه (٢)، وهو مِن أخصِّ أصحابِه، وحضَرَ الرجمَ ابنُ عبَّاسٍ وقد جاء مع أمِّه إلى المدينةِ بعدَ نزولِ سورةِ النورِ وحادثةِ الإفكِ؛ وذلك سنةَ تسعٍ.

حُكْمُ الجَلْدِ مع الرجمِ للمُحْصَنِ:

وإنَّما الخلافُ عندَ الفقهاءِ في الجمعِ بينَ الرجمِ والجَلْدِ للمُحصَنِ: فهل يُجلَدُ قبلَ رَجْمِهِ فيبقى حُكْمُ الرجمِ عليه أو لا؟ على خلافٍ عندَهم، على قولَيْنِ:

ذهَبَ جمهورُ الفقهاءِ: إلى أنَّ حُكْمَ الرجمِ على المُحصَنِ يُسقِطُ الجَلْدَ عنه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يثبُتْ أنَّه مَن رجَمَهُ كمَاعِزٍ والأَسْلَمِيَّةِ،


(١) أخرجه البخاري (٦٨١٣)، ومسلم (١٧٠٢).
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١١١)، وأبو داود (٨١)، والنسائي (٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>