للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإنسانُ مُحاسَبٌ على ما يَقْدِرُ عليه ويختارُهُ، لا على اختيارِ غيرِه؛ ولهذا كان على النبيِّ البلاغُ؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [النور: ٥٤، والعنكبوت: ١٨]، وهو المعنى هنا ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولمَّا كان لا يَملِكُ تصرُّفًا إلَّا بجوارِحِه، قال له: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾، وأمَّا هدايةُ التوفيقِ والتسديد، فعلى اللهِ.

مخالَفَةُ الناسِ للحقِّ، والغربةُ فيه:

وفي هذا: بقاءُ الإنسانِ على الحقِّ ولو كان وحدَهُ، وقيامُهُ بأمرِ اللهِ ولو خالَفَهُ الناسُ، ولا يكونُ إِمَّعَةً يَتْبَعُ الكثرةَ والعامَّةَ، فالهلاكُ بتركِ الحقِّ لا بتركِ الناسِ؛ وقد روى أحمدُ، عن أبي إسحاقَ؛ قال: "قُلْتُ لِلْبَرَاءِ: الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى المُشْرِكِينَ، أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ قَالَ: لَا؛ لأَنَّ اللهَ ﷿ بَعَثَ رَسُولَهُ ؛ فَقَالَ: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾، إِنَّمَا ذَاكَ فِي النَّفَقَةِ" (١).

ومِن التحريضِ للمؤمنينَ في قولِه: ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: وَعْظُهُمْ بفضلِ عملِهم وفضلِ الجهادِ والمُجاهِدينَ، وبيانٌ الأدلةِ في ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ؛ كما كان النبيُّ يستحثُّ الصحابةَ والتابِعينَ على القتالِ ببيانِ فضلِهِمْ في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ تثبيتًا وربطًا على قلوبِهم.

وقولُه تعالى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ هذا وعدٌ مِن اللهِ أنَّ مَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ وسبيلَهُ، كَفَّ عنه بأسَ عدوِّه، ونَصَرَهُ عليه، و (عسى) في القرآنِ تعني التحقيقَ؛ كما قال ابنُ عبَّاسٍ: " (عسى) مِن اللهِ واجبٌ"؛ رواهُ عليٌّ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ (٢).


(١) أخرجه أحمد (١٨٤٧٧) (٤/ ٢٨١).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>