عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي)؛ وهذا لأنَّه تحريمٌ لِمَا أحَلَّ اللَّهُ، وإلحاقٌ له بما حرَّمَهُ اللَّهُ تحريمًا مغلَّظًا أبديًّا، وفيه تَعَدٍّ على حدودِ اللَّهِ وشريعتِه؛ ولذا قال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا﴾، وبيَّن اللَّهُ أنَّ هذا القولَ لا يَجْعَلُ مِن زوجاتِهم أُمَّهاتِهم: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾، ولا يَختلِفُ المُسلِمونَ في حُرْمةِ الظِّهَارِ لأجلِ ذلك؛ فقد سمَّاهُ اللَّه مُنكَرًا وزورًا، وهو شِدَّةً الكذبِ.
وكان الجاهليُّونَ يُفارِقونَ نساءَهم بعباراتٍ متعدِّدةِ، منها الظِّهارُ، فيَجْعلونَها فِراقًا مغلَّظًا، فنَهى اللَّهُ عن ذلك، وأثبَتَ المُفارَقةَ بالطلاقِ بحدودِه.
ألفاظُ الظِّهارِ المُتَّفَقُ والمُختلَفُ فيها:
لا يَختلِفُ السلَفُ والخلَفُ على أنَّ قولَ الزوجِ لزوجِه:(أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي)؛ أنَّه ظِهارٌ، ولكنَّهم يَختلِفونَ فيمَن ذكَرَ شيئًا غيرَ ظَهْرِ أُمِّهِ كبَطْنِها وفَرْجِها، والذي عليه الجماهيرُ: أنَّه ظِهارٌ، وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، وللشافعيِّ قولٌ: أنَّه ليس بظِهارٍ، وجاء عن أبي حنيفةَ: أنَّه يكون ظِهَارًا في كلِّ عضوٍ مِن أُمِّه يحرُمُ نظرُهُ إليه، ومرادُهُ أنَّه إنْ قال لزوجتِه: أنتِ عليَّ كيَدِ أُمِّي ووَجْهِها, فإنَّها لا تحرُمُ؛ لأنَّه لا يحرُمُ عليه النظرُ إلى ذلك مِن أُمِّه.
والأظهَرُ؛ أنَّ ذِكْرَ العضوِ ليس مقصودًا لِذَاتِه؛ وإنَّما إنْ لم يذكُرْ عضوًا مِن أُمِّه وحرَّمَها كأُمِّه، فهو ظِهارٌ، ولو ذكَرَ لِباسَ أُمِّه الذي لا يَظهَرُ إلَّا لزوجِها، وقصَدَ به حُرْمةَ النِّكاحِ، فهو ظِهار، والشريعةُ جاءتْ على ذِكْرِ قولٍ عندَ العربِ، والغايةُ مِن التحريمِ: عدمُ مشابَهةِ الزوجةِ لحُرْمةِ الأُمِّ، والأُمُّ أغلَظُ المحرَّماتِ على الرجُلِ؛ فكلُّ ما دَلَّ على هذا المعنى وقُصِدَ به تحريمُ الزوجةِ كتحريم الأُمِّ، فهو ظِهارٌ.