للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِن ذلك: أنَّ النفوسَ جُبِلَتْ على حبِّ الثباتِ وعدمِ التردُّدِ؛ حتى لا تُوصَفَ بالضعفِ والتبعيَّة، والنفوسُ المُتكبِّرةُ لا تُفرِّقُ بينَ التحوُّلِ مِن الحقِّ إلى الباطلِ، وبينَ التحوُّلِ مِن الباطلِ إلى الحقِّ؛ فتَثْبُتُ على الباطلِ كِبْرًا، بل ربَّما تَثْبُتُ بعضُ النفوسِ المُتكبِّرةِ على الحقِّ لا لأنَّه الحقُّ؛ بل لِذَاتِ الثباتِ؛ فلا تُحِبُّ أنْ تُوصَفَ بالتحوُّلِ والانتكاسةِ، فتَصبِرُ وتتجلَّدُ وتنصُرُ الدِّينَ في الدُّنيا، وتُكَبُّ في النارِ في الآخِرةِ؛ فالطبائعُ لها أثرٌ في الثباتِ كأثرِ الإيمانِ فيه؛ فالنفوسُ المتكبِّرةُ يُهِمُّها الثباتُ ولو على باطلٍ، والنفوسُ المؤمِنةُ يُهِمُّها الحقُّ ولو تحوَّلَتْ، ومتى كان الإيمانُ أَقْوَى مِن الطبائع، تَحَكَّمَ فيها، ومتى كانتِ الطبائعُ أَقوى مِن الإيمان، تَحَكَّمَتْ فيه.

الكبرُ وأثرُهُ على الانقيادِ:

والمُتكبِّرونَ إنْ خرَجُوا مِن الحقِّ، مَنَعَتْهُمْ نفوسُهُمْ مِن الرجوعِ إليه بدَعْوَى الثبات، وبعضُ النفوسِ تَقْوَى على التحوُّلِ مرةً، ولكنَّها تستثقِلُ التحوَّلَ مرتَيْنِ، ومنها ما هي ضعيفةٌ تَقْبَلُ التحوُّلَ مَرَّاتٍ.

ولكنَّ خوفَ اللهِ وقوَّةَ الإيمانِ يَضعُفُ معه حبُّ النفسِ للثَّبَاتِ ولو تحوَّلتْ مَرَّاتٍ حتى تَصِلَ إلى الحقِّ، وقد يتحوَّلُ الإنسانُ مرَّاتٍ باحثًا عن الحقِّ لِقوَّةِ صِدْقِه؛ كمَن يتحوَّلُ مِن الإلحادِ إلى الوثنيَّة، ومِن الوثنيَّةِ إلى النصرانيَّةِ، ومِن النصرانيَّةِ إلى الإسلام، وتحوُّلُهُ هذا مِن شرٍّ إلى أخَفَّ منه حتى يصلَ إلى الإسلامِ بخيرِهِ التامِّ الخالي مِن كلِّ شرٍّ، وأكثَرُ الذين يَثْبُتُونَ على الباطلِ دفَعَهُمْ كِبْرُ النفوسِ للتمسُّكِ بمبدأِ الثبات، وهكذا كان فِرْعَوْنُ وقومُهُ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]، وكفارُ قريشٍ: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]، وكذا حالُ أبي طالبٍ؛ يَعلَمُ صِدْقَ محمدٍ ولكنَّ نفسَهُ غلَبَتْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>