وقوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾، والمرادُ بالمِثْليَّةِ في الآيةِ: الشَّبِيهُ في صِفَتِهِ وحالِه، فأقرَبُ الحيوانِ إلى الصيدِ يُقضَى به على الصائدِ؛ وبهذا يقولُ عامَّةُ السلف، وهو قولُ الجمهورِ؛ خلافًا لأبي حنيفةَ؛ إذ ساوَى بينَ الجزاءِ بالمِثْلِ وبينَ الإطعامِ والصيامِ في كلِّ حيوانٍ، له مثيلٌ أو ليس له مثيلٌ.
ويختلِفُ الأمرُ بحسَبِ نظرِ الناسِ في الحيوانِ وجَمْعِ الحيوانِ للصِّفاتِ المتشابِهةِ مع غيرِه؛ ولهذا تنوَّعَ كلامُ الصحابةِ والتابعينَ في تقديرِ مشابهةِ بعضِ الحيوانِ لبعضٍ.
التحكيمُ في كفَّارةِ الصيدِ:
وقولُه تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ اشترَطَ اللهُ أهلَ العَدْلِ؛ وفي ذلك مَعَانٍ:
الأولُ: أنَّ الحاكِمَ لا ينفرِد بالحُكمِ بحالٍ، واختُلِفَ في أنْ يكونَ المحكومُ عليه أحدَ العَدْلَينِ:
فمنهم: مَن منَعَ حتى لا يَحكُمَ الصائدُ لنفسِه؛ حتى لا يُحابيَها فيُقصِّرَ في حقِّ اللهِ عليه؛ وبهذا يقولُ مالكٌ.
ومنهم: مَنْ أجازَ، وهو قولُ الشافعيِّ وأحمدَ! فأجازَا كونَ القاتلِ أحدَ الحَكَمَيْنِ؛ لأنَّ الثَّانيَ يَدفَع التُّهَمةَ به، وعدمَ إنصافِهِ مِن نفسِه، وجاء عن عمرَ وابنِهِ ابنِ عمرَ أنَّهما حَكَّمَا الصائدَ معه في مِثْلِيَّةِ ما صادَ، ولم يُخالِفْهما أحدٌ مِن الخُلَفاءِ وعامَّةً فُقَهاءِ الصحابةِ.
الثاني: اشتراطُ العَدَدِ؛ فلا يَنفَرِدُ الواحدُ بالحُكمِ إلَّا عندَ العجزِ عن الآخَرِ.
الثالثْ أنه لا يَقضِي الفاسقُ الذي لا يُؤتمَنُ على مالٍ ولا على قولٍ؛ لأنَّه ليس بعَدْلٍ، فربَّما لم يتورَّعْ عن ظلمٍ وإجحافٍ في تقديرِه.