للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والناسي سواءً، فإنَّ مَن صِيدَ له الصيدُ وهو لا يَعلَمُ به ولو كان الصائدُ حلالًا، حرُمَ عليه؛ فإنَّ تحريمَهُ على المحرِمِ نفسِهِ بغيرِ قصدِ للصيدِ منه مِن بابِ أَولى، قال الزُّهْريُّ: "دَلَّ الكتابُ على العامِد، وجَرَتِ السُّنَّةُ على الناسي" (١).

ومُرادُ الزُّهْريّ بالسُّنَّةِ: ما ورَدَ في الأثرِ مِن قولِ الصحابةِ؛ كعمرَ وابنِ عبَّاسِ وجماعةٍ مِن التابعينَ على ما تقدَّمَ.

وخصَّه طاوُسٌ بالمتعمِّدِ؛ لظاهِرِ الآية، وهو روايةٌ لأحمدَ، وإنَّما ذكَرَ التعمُّدَ؛ لاعتبارِ الغالبِ؛ فالصيدُ لا يُقصَدُ عن نسيانٍ؛ لأنَّه تتبُّعٌ وقصدٌ ومشقَّةٌ لا يقعُ سهوًا ونسيانًا، والأحكامُ تُذكَرُ على غالبِ حالِها؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]، فالغالبُ في الرَّبِيبَةِ: أنَّها تكونُ في الحَجْرِ مع أمِّها.

وجعَلَ مجاهِدٌ التعمُّدَ في الآيةِ هو تعمُّدَ الصيدِ مع نسيانِ الإحرام، وأمَّا مَن كان ذاكِرًا لإحرامِه، فإحرامُهُ باطلٌ، واختلَفَ لفظُ المَرْوِيِّ عنه؛ فتارَةً يقولُ: "ولا حَجَّ له"؛ كما رواهُ ليثٌ عنه (٢)، وفي روايةٍ قال: "فقد حَلَّ"؛ كما رواهُ ابنُ أبي نَجِيحٍ (٣)، ولم يُوافَقْ على قولِهِ بإبطالِ النُّسُكِ.

وقد حمَلَ الشافعيُّ قولَهُ على معنًى آخَرَ، فقال في "الأُمِّ": "أَحْسَبُهُ يذهبُ إلى: أحَلَّ عقوبةَ الله، قيل له: أفتراهُ يُريدُ أحلَّ مِن إحرامِهِ؟ قال: ما أراهُ، ولو أرادَهُ، كان مذهبُ مَن أَحْفَظُ عنه خلافَهُ، ولم يَلزَمْ بقوله حُجَّةٌ" (٤).

وأيضًا: لو كان الإحرامُ يَبطُلُ بالصيدِ، لكان بيانُهُ في الآيةِ أَولى مِن بيانِ حُكْمِ الكفَّارة، ولمَّا لم يكنِ البطلانُ مقصودًا، لم يُذكَرُ، وذُكِرَ ما دونَهُ؛ وهو الكفَّارةُ.


(١) "تفسير ابن كثير" (٣/ ١٩٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٦٧٤).
(٣) "تفسير الطبري" (٨/ ٦٧٤).
(٤) "الأم" (٢/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>