للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلِ الغنيمة، فغايةُ ما فيه: أنَّهم لم يُقسَمْ لهم مِن الخُمُسِ ما يُتألَّفُونَ به.

وقسمةُ الغنيمةِ يُسكَتُ عنها باعتبارِ أنَّها حقٌّ لا اختيارَ لأحدٍ فيها؛ كما تقدَّمَ، ولمَّا كان التخييرُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الخُمُسِ هو الذي تَتشوَّفُ إليه النفوسُ وتَطمَعُ في نصيبِها منه؛ لأنَّه لا حَقَّ لهم معلومٌ فيه، وزادَ مِن استغرابِ الأنصارِ: أنَّ الذين أعطاهُم رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْبَرُوا عنه ولم يُقاتِلُوا معه.

وذهَبَ بعضُهم: إلى أنَّ الغنيمةَ لم تُخمَّسْ في حُنَيْنٍ، وأنَّ ذلك خاصٌّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكونُ لغيرِه؛ وذلك أنه يَملِكُ عِوضًا عن الغنيمةِ يخُصُّ به أهلَها، وهو نفسُهُ، فقُرْبُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أعظَمُ مَغنَمٍ؛ ولذا قال: (أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ ! )؛ أخرَجَهُ الشيخانِ (١).

وليس لأميرٍ ولا لخليفةٍ أنْ يقولَ ذلك لجيشِهِ ولا لجُنْدِهِ؛ لأنَّه لا يُماثِلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ في فضلِ قُرْبِهِ وصُحْبتِه.

تركُ تقسيمِ الغنيمةِ للضرورةِ:

وإنِ اضطُرَّ الإمامُ لأخذِ الغنيمةِ أو بعضِها لِسَدِّ ثَغْرٍ فُتِحَ على المُسلِمينَ لا يُغلَقُ إلَّا بمالِ الغنيمة، وليس في ذلك طمعٌ للإمامِ وهوًى له فيه أو لقَرابتِه، فإنَّ ذلك يكونُ مِن بابِ الضَّرُورات، كما لو صُرِفَتْ أموالُ الزكاةِ في غيرِ مَصْرفِها لضرورةٍ تَحُلُّ بالناس، فلا تُدفَعُ المَفسَدةُ إلَّا بذلك، ولا تقومُ المصلحةُ العظيمةُ إلَّا به كذلك، جازَ، وقد يُحمَلُ ما في قسمةِ الغنيمةِ يومَ حُنَيْنٍ على ذلك، على فرضِ أنَّها لم تُقسَمْ جميعُها على الجيشِ.


(١) أخرجه البخاري (٤٣٣٧)، ومسلم (١٠٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>