والحَرَجُ المذكورَ في الآيةِ حُمِلَ على مَعانٍ عدةٍ؛ منها:
الحَرَجُ مِن اليتيمةِ التي تكونُ في حَجْرِ وليِّها، وليس لها وليٌّ غيرُهُ يَحمِيها، ويَدْفَعُ عنها عندَ أَذِيَّتِها وأخذِ حقِّها، ويُريدُ كفيلُها مِن أوليائِها الزواجَ منها بمَهْرٍ دونَ مهرِ مِثْلِها، وربَّما كان لها مالٌ وفيها جمالٌ؛ فطَمِعَ فيها لأجلِ ذلك، وقد يُقَصِّرُ في حقِّها، وربَّما ضَرَبَها وأضَرَّ بها، فأمَرَ اللهُ النفوسَ الواجدةَ لذلك بتركِها وتزويجِها غيرَهُ، ويكون هو وليًّا لها عندَ زوجِها يَحْمِيهَا ويطلُبُ لها مهرَ المِثْل، وهو يتزوَّجُ ممَّا أحَلَّ اللهُ له مِن النِّساءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ؛ كما روى الشيخان، عن عروة، عن عائشةَ؛ في قولِه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾؛ قَالَتْ:"أُنْزِلَتْ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا، وَلَهَا مَالٌ وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، فَلَا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا، فَيُضِرُّ بِهَا وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَقَالَ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ يَقُولُ: مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ، وَدَعْ هَذِهِ الَّتِي تُضِرُّ بِهَا"(١).
ومِن مَعانيه:
دفعُ النفوسِ التي تتحرَّجُ مِن مالِ اليتيمةِ أنْ تتحرَّجَ مِن الزِّنى كذلك، سواءٌ باليتيمةِ التي في حَجْرِهِ أو بغيرِها، وكما أمَرَهُ اللهُ بالحِيَاطَةِ في أموالِ الأيتامِ وغيرِهم، ووضَعَ له مِن ذلك مَخرَجًا، كذلك أمَرَهُ اللهُ بتجنُّبِ الزِّنى، ووضَعَ له مَخرَجًا، وهو التعدُّدُ بالأزواجِ ممَّا أباحَ اللهُ؛ كما روى ابنُ المُنذِر، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾؛ يَقُولُ: "إنْ تَحَرَّجْتُمْ مِن ولايةِ اليتامَى وأكلِ أموالِهم إيمانًا وتصديقًا، فكذلك تحرَّجُوا مِن الزِّنى، فانكِحُوا النِّساءَ نكاحًا