ومِن السلفِ: مَن عمَّمَ الحُكْمَ لكلِّ قراءةٍ؛ في صلاةٍ وغيرِها، وفي كلِّ ذِكرٍ؛ كخُطْبةِ الجمعةِ والعيدَيْنِ وغيرِهما، وهذا ليس مِن الخلافِ في سبب نزولِ الآية، وإنَّما في تعميمِ حُكمِها.
الإنصاتُ عند سماعِ القرآنِ خارج الصلاةِ:
ومَن سمِع قرآنًا في غيرِ الصلاة، فلا يخلو مِن حالَيْنِ:
الأُولى: أن يكونَ مقصودًا بالقراءةِ؛ كمَن يقرَأ القرآنُ في مجلسٍ هو فيه ويُجهَرُ بالقراءةِ للناس، فإنصاتُهُ مشروعٌ، ولَغْوُهُ فيه محرَّمٌ، ولا حرَجَ عليه في الكلمةِ والكلمتَيْنِ لمَن حولَهُ التي لا تُذهِبُ هَيْبةَ القرآنِ وتعظيمَهُ.
الثانيةُ: ألا يكونَ مقصودًا بالقراءة، كمَن يَسمعُ رجلًا يَقرَأ لنفسِه، أو يَسمعُ مُقرِئًا يُقرِئُ غيرَهُ، أو حَلْقةَ علمٍ ليس هو فيها، أو إمامًا يُصلِّي بالناسِ في مسجدٍ ليس هو منهم؛ فلا يدخُلُ في مشروعيَّةِ الإنصاتِ المقصودِ في الآيةِ.
والوجوبُ إنما هو في الصلاةِ لا خارجَها، وقد صحَّ عن طَلْحةَ بنِ عُبَيدِ الله بنِ كَرِيزٍ؛ قال: "رَأَيْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءَ بْنَ أبِي رَبَاح، يَتَحَدّثَانِ وَالقَاصُّ يَقُصُّ، فَقُلْتُ: أَلَا تسْتَمِعَانِ إِلَى الذِّكرِ وَتَسْتوْجبَانِ المَوْعُودَ؟ قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أقْبَلَا عَلَى حَدِيثهِمَا، قَالَ: فَأَعَدتُّ، فَنَظَرَا إِلَيَّ، ثُمَّ أقبَلَا عَلَى حَدِيثهِمَا، قَالَ: فَأَعَدتُّ الثَّالِثَّةَ، قَالَ: فَنَظَرَا إِلَيَّ، فَقَالَا: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ (١).