للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جعَلَ اللهُ الأصلَ في بني آدمَ السَّتْرَ باللِّباسِ؛ فتَستتِرُ المرأةُ وتَتَزيَّنُ ولو كانتْ لا يراها أحدٌ، والرجُلُ يكونُ وحدَهُ ولو في فَلَاةٍ لا يراهُ أحدٌ يُحِبُّ أن يَستُرَ بدَنَهُ، فذلك استِتارٌ تُحِبُّهُ النفسُ، وهي مفطورةٌ عليه، حتى لو كان الإنسانُ في بيتِه مُغلِّقَ الأبواب، لم يُحِبَّ أنْ يَبقى عُرْيانًا؛ لأنَّه مُخالِفٌ للفِطْرة، ولو كان الإنسانُ أعمَى البصرِ لا يَرى عورةَ نفسِهِ ولا يراهُ أحدٌ، لَأَحَبَّ أنْ يَستتِرَ؛ لحرارةِ الفِطْرةِ في نفسِهِ التي يجدُها.

أسباب مشروعيةِ السترِ:

وقد شرَع اللهُ الاستِتارَ باللِّباسِ؛ لجملةٍ مِن الأسبابِ:

الأوَّلُ: حياءً مِن اللهِ؛ فاللهُ يُحِبُّ أن يُستحْيَا منه؛ وذلك مِن تعظيمِهِ وإجلالِه، واللهُ لا تُستَرُ عنه عينٌ، ولا تُستَرُ عنه عَوْرةٌ فلا يَراها؛ وإنَّما مجرَّدُ فعلِ اللِّباسِ والاستِتارِ به مِن الحياءِ مِن اللهِ ولو كان في عِلْمِ العبدِ أنَّ اللهَ يَراه؛ فالإنسانُ يستتِرُ في نفسِهِ وهو يَعلمُ نفسَهُ؛ حِفْظًا لحياءِ نفسِه، وقد جاءَ في سترِ العورةِ حياءً مِن اللهِ حديثُ بَهْزٍ؛ كما في "المُسنَدِ", و"السُّننِ"، عن معاويةَ بنِ حَيدَةَ؛ قال: يَا رسُولَ الله، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قال: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَو مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: (إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا) , قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: (اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ) (١).

ورُوِيَ في بعضِ الأخبارِ: أنَّ آدمَ وحوَّاءَ استَتَرَا حياءً مِن اللهِ لمَّا بَدَت سَوْءَاتُهما؛ فعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ مرفوعًا؛ أنَّ اللهَ قال لآدمَ: يَا آدمُ،


(١) أخرحه أحمد (٥/ ٣)، وأبو داود (٤٠١٧)، والترمذي (٢٧٩٤)، وابن ماجه (١٩٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>