للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد بـ "حاضري المسجِدِ الحرامِ":

وتنوَّعَ تفسيرُ: {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} في كلامِ السَّلَفِ:

فمِنهم مَن قال: "هم مَن سكَنَ حدودَ الحَرَمِ"؛ قاله مجاهِدٌ (١).

وقال يحيى بنُ سعيدٍ الأنصارِيُّ: "مَن كانَ أهلُهُ على مسيرةِ يَوْمٍ" (٢).

ويَظهَرُ مِن الآيةِ ومِن قولِ جمهورِ السَّلَفِ: أنَّهم لا يَختلِفونَ فيمَنْ كان في حدودِ الحَرَمِ؛ وإنَّما يَختلِفونَ فيمَن هو خارِجَها، ومكَّة اليومَ غيرُ مَكَّةَ في الصَّدْرِ الأوَّلِ؛ فقد اتَّسَعَتْ وتَغَيَّرَتْ مَعالِمُها، حتَّى بلَغَ البُنْيانُ متَّصِلًا إلى مَواضِعَ يقصُرُ فيها بعضُ السَّلَفِ الصلاةَ؛ فيَظْهَرُ أنَّ مَن كان دونَ القَصْرِ مِن مَكَّةَ، فهو مِن أهلِها وبهذا قيده أحمد، ومَرَدُّ ذلك إلى العُرْفِ.

التحذيرُ من التساهُلِ في المناسِكِ:

قولُه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، أمَرَ بتَقْواهُ، بعدَ أنْ بيَّنَ حدودَهُ في الحَجِّ؛ حتَّى لا تُخرَمَ تلك الحدودُ، وللتأكيدِ على أهميَّةِ الإتيانِ بها.

ثمَّ جاء تحذيرٌ ووعيدٌ مِن التفريطِ في تلك الحدودِ، وبيانٌ لِخَطَرِ تغييرِها والتساهُلِ بها، وأنَّ ما وضَحَتْ مَعالِمُه مِن حدودِ اللهِ في مَناسِكِ الحجِّ، لا ينبغي لأحدٍ أن يتساهَلَ فيه؛ متذرِّعًا بعمومِ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) (٣)؛ فإنَّ ذلك كان في أعمالِ يومِ النَّحْرِ، لا في كلِّ مَناسكِ الحجِّ.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٣٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٤).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٤).
(٣) أخرجه البخاري (٨٣) (١/ ٢٨)، ومسلم (١٣٠٦) (٢/ ٩٤٨)؛ من حديث عبد الله بن عمرٍو - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>