للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاهتداءُ بالشمس إلى القبلةِ:

وأمَّا جِهةُ القِبْلة، فيُهتدَى بها بمعرِفةِ مَطلِعِ الشمسِ ومَغرِبِها وما بينَ ذلك مِن جهاتٍ، فالمقصودُ مِن ذلك التوسِعةُ، وأمَّا الاهتِداءُ بالنجوم، فهو تضييقٌ مع كونِه أدَقَّ إلَّا أنه أشَقُّ، والتيسيرُ في أمرِ القِبْلةِ مقصودٌ؛ ولذا جعَلَ اللهُ الاهتداءَ بالنجومِ لمعرِفةِ مسالكِ السائِرِينَ في البَرِّ والبحر، لا معرفةِ تصويبِ القِبْلةِ.

وأمَّا ما رواهُ المُعافَى بن عِمْرانَ، عن عمرَ بنِ الخطَّابِ؛ أنه قال: "تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ، ثُمَّ أَمْسِكُوا" (١)، فقد رواهُ المُعافَى، عن مِسعرٍ، عن أبي عونٍ الثَّقَفيّ، عن عمرَ، ولم يَسمَعْهُ مِن عمرَ، وقد نقَل الأَثْرَمُ، عن أحمدَ؛ أنه قِيلَ له: قِبْلةُ أهلِ بغدادَ على الجَدْيِ؟ فجعَل يُنكِرُ أمرَ الجَدْي، فقال: أَيْشٍ الجَدْيُ؟ ولكنْ على حديثِ عمرَ: "مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ" (٢).

الاستدلالُ بالنجوم على القبلةِ:

وأمَّا ما يَرِدُ في كلامِ بعضِ الأئمَّةِ السالِفينَ مِن الاستدلالِ بالنجمِ على القِبْلة، فإنَّهم يُريدونَ بذلك معرِفةَ الجهةِ لا التصويبِ؛ لأنَّ السائرَ في الليلِ يَتِيهُ عن معرفةِ الجهاتِ الأربع، فلا يَعرِفُ المشرِقَ مِن المغرِب، فهو يجعلُ النجومَ بمقامِ الشمسِ التي تُبيِّنُ له الجهات، فإنِ اهتَدى بالنجمِ إلى معرفةِ الجهات، عرَفَ القِبْلةَ مِن الجهاتِ بعدَ ذلك، وجعَل القِبْلةَ بينَ جهتَيْنِ منها، فالنجمُ يُهتدَى به إلى معرفةِ الجهةِ التي يَفقِدُها لظلامِ الليلِ بفِقْدانِ الشمس، وليس للسائرِ الذي يَعرِفُ الجهاتِ أنْ يتكلَّفَ بالنجمِ ليصوِّب إلى القِبْلةِ؛ لأنَّه يُخالِفُ المقصودَ مِن التيسيرِ


(١) أخرجه المعافى بن عمران في "الزهد" (ص ٢٦٥).
(٢) "فتح الباري" لابن رجب (٣/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>