للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالتعبُّدِ، فمَن سجَدَ لغيرِ اللهِ، كَفَرَ؛ لأنه لا يُعْرَفُ السجودُ في الأمَّةِ منفردًا ومتضَّمنًا إلا عبادةً، بخلافِ مَن قام وانحنى؛ فإن قصَدَ التعبُّدَ كفرَ؛ لأنَّ القيامَ بذاتِهِ للا صلاةٍ لا يدُلُّ دَلالةً تامَّةً على التعبدِ إلا بقرينةٍ، وإنْ قصَدَ التحيةَ، ابتدَعَ بالركوعِ، وكُرِهَ بالقيامِ، على الأصحِّ، إلا لسيِّدٍ مطاعٍ، وعالِمٍ، ووالِدٍ؛ يُقامُ له بلا طلبٍ منه.

والعربُ كان يحيِّي بعضُها بعضًا بالركوعِ؛ قال الأَعْشَى:

إِذَا مَا أَتَانَا أَبُو مَالِكٍ … رَكَعْنَا لَهُ وَخَلَعْنَا الْعِمَامَهْ (١)

فضلُ الجماعةِ:

وفي قولِهِ: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ فضلُ العملِ مع الناسِ عبادةً وعادة، وألَّا يكونَ الإنسانُ منفرِدًا بعملِهِ؛ فعملُهُ جماعةً أزكَى وأفضلُ؛ ففي "المسندِ"، و"سننِ أبي داود"، عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (إِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى) (٢).

وفي "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ؛ قال: (صَلَاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعشْرِينَ دَرَجَةً) (٣).

والحثُّ على التكاثُرِ بأداءِ صلاةِ الجماعةِ أظهرُ في الشرعِ مِن أدائِها في المساجِدِ مع تأكُّدِهِمَا كِلَيْهِما؛ لأنَّ المساجِدَ وُضِعَتْ للاجتماعِ، وما جُعِلَ الاجتماعُ للمساجدِ، والصلاةُ في المسجدِ الذي فيه جماعةٌ أكثرُ:


(١) "ديوان الأعشى". وينظر: "التحرير والتنوير" (١/ ٤٧٣).
(٢) أخرجه أحمد (٢١٢٦٥) (٥/ ١٤٠)، وأبو داود (٥٥٤) (١/ ١٥٢).
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٧) (١/ ١٠٣)، ومسلم (٦٤٩) (١/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>