بها، وألَّا يُصالِحوا عن دُنيا مَحْضةٍ؛ لا تَحفَظُ دِينًا، ولا تُقوِّي شَوْكةً للمُسلِمينَ؛ وإنَّما غايتُها زيادةُ متاعٍ وسرَفْ شَهْوةٍ، فتِلك مقاصدُ الحيوانِ لا الإنسان، وأصحابُ هذه العهودِ لا يَحفَظونَ مَنْزِلةَ الدِّينِ ولا يُعظِّمونَ حُرْمَتَه.
ولا يجوزُ للمُسلِمينَ أن يُعْطُوا أمانًا وعهدًا على دُنْيَا مَحْضَةٍ تُضِرُّ بالدِّين، ما لم تَكُنْ تلك الدُّنيا التي عاهَدُوا عليها تَحفَظُ مِن الدِّينِ مِن جهةٍ أعظَمَ مِمَّا تفوِّتُهُ مِن جهةٍ أُخرى؛ فذلك مَرَدُّهُ لِحِكْمةِ أهلِ العِلْم، ومعرفةِ أهلِ السِّياسةِ الصحيحةِ الصَّادِقةِ.
المُوجِباتُ لِنَقْضِ العهدِ:
وقد ذكَرَ اللهُ تعالى مُوجِبَينِ لقتالِ المعاهَدِينَ ونَبْذِ عَهْدِهم إليهم: الأولُ: نقضُهم لِما عاهَدوا عليه المُسلِمينَ؛ ممَّا كتَبُوهُ بأيدِيهم، أو نطَقُوه بألسنتِهم.
الثاني: طَعْنُهم في دِينِ المُسلِمينَ.
واختُلِفَ في كونِ الطَّعْنِ في الدِّينِ ناقِضًا لعهدِ مَن أمضى عهدَهُ الذي شارَطَ المُسلِمينَ عليه، والصحيحُ نقضُهُ؛ وذلك مِن وجوهٍ:
أوَّلُها: أنَّ في ذِكْرِ الطَّعْنِ في الدِّينِ تبيينًا لِعظَمِه، وأنَّه وإن لم يتضمَّنِ العهودَ المنصوصةَ المكتوبةَ بينَ المُسلِمينَ وعدوِّهم، فإنَّه كالمنصوصِ المبيَّنِ؛ فهو فوقَ كلِّ مكتوبٍ، وأعظَمُ مِن كلِّ ملفوظٍ مِن الشروطِ والبُنُودِ؛ نقد يتصالَحُ المُسلِمونَ معَ المشرِكينَ على دُنيا وعِصْمةِ دمٍ وحِفْظِ مالٍ، وهذه العهودُ المنصوصةُ ولو لم تُنقَضْ بعَيْنِها، فإنَّ الطَّعْنَ في دِينِ أهلِها أعظَمُ عليهم وأشَدُّ مِن نقضِها، وإنَّ إهدارَ دِينِ المُسلِمينَ أعظَمُ مِن إهدارِ دُنياهم، وقد رُوي عن ابنِ عمرَ؛ أنه مَرَّ به راهبٌ، فقيلَ له: هذا يَسُبُّ النَّبيَّ ﷺ، فقال ابنُ عمرَ: "لو سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ؛ إنَّا لم نُعْطِهِمُ