الذِّمَّةَ على أن يَسُبُّوا نبيَّنا ﷺ"؛ رواهُ الخلَّالُ (١).
ثانيها: أنَّ المؤمِنَ معصومُ الدَّم، ولو طَعَنَ في الدِّينِ لاستَحَقَّ القتلَ، فإذا كان كذلك والأصلُ في العِصْمةُ، فإنَّ الكافِرَ المعاهَدَ أَولى، وقد كان الأصل فيه استحلالَ الدمِ؛ وإنَّما استحَقَّ العِصْمةَ لعَهْدِه وأمانِه.
ثالثُها: أنَّ مَن نقَضَ شيئًا مِن شروطِ العهد، انتَقَضَ عهدُه، ولو كان لشيءٍ مِن لُعَاعةِ الدُّنيا، فإذا كان ذلك مُوجِبًا لنقضِ العهد، فإنَّ نقضَ العهدِ عندَ الطَّعْنِ في الدِّينِ مِن بابِ أَولى.
رابعُها: أنَّ العهودَ الدنيويَّةَ إن كانتْ تُضِرُّ بالدِّين، ولا تَحفَظُ عليه أعظَمَ ممَّا تُضَيِّعُهُ منه -: لم يَجُزْ للمُسلِمينَ إبرامُها مِن جهةِ الأصلِ؛ فإنَّ إبقاءَ العهدِ والأمانِ لِمَنْ أعلَنَ الطَّعْنَ في الدِينِ أعظَمُ مِن إبرامِ عهدٍ يتَضمَّنُ جبَ محرَّمٍ مجرَّدٍ لا يحقِّقُ أعظَمَ منه في الدِّينِ.
خامسُها: أنَّ الكُفَّارَ يقَعُ منهم مِن مخالَفةِ المُسلِمينَ في دِينِهم عَمَلٌ وقولٌ كثيرٌ، أكثَرُ مِن الطعنِ في الدِّينِ؛ كشُرْبِ الخمرِ والزِّنى وأكلِ لحمِ الخِنزيرِ والمَيْتة، وهذه الأشياءُ التي تقَعُ مِن جميعِهم أو مِن سَوَادِهم، لم يَذْكُرْها اللهُ في الآيةِ؛ فدَلَّ على أنَّ إظهارَها في ذاتِها لا ينقُضُ العهدَ، ولكنَّه يُوجِبُ العقوبةَ وإقامةَ الحدّ، فلو شرِبَ الخمرَ وأكَلَ المَيْتةَ ولحمَ الخِنْزيرِ في بيتِهِ وخاصَّةِ أهلِهِ وأهلِ دينِه، لم يُعاقَبْ بذلك، ولوأظهَرَهُ، لم يَكُنْ بإظهارِهِ ناقضًا للعَهْد، ولكنَّه موجِبٌ لإقامةِ الحدِّ عليه وتعزيرِه.
ولو لم يَكُنِ الطَّعْنُ في الدِّينِ وصفًا مؤثِّرًا في صِحَّةِ العهد، لم يَذكُرْهُ اللهُ؛ فإنَّ أهلَ الذِّمَّةِ قد يَبدُرُ منهم ما يُخالِفُ المُسلِمينَ أكثَرَ مِن سبِّ الدِّينِ والطَّعْنِ فيه؛ كشُربِ الخمرِ وتَبرُّجِ النِّساءِ وأكلِ لحمِ الخِنْزِير، وهم مأمورونَ بعدَمِ إطهارِ ما يُناقِضُ دينَ المُسلِمينَ، وأمَّا استِتَارُهُمْ
(١) "أحكام أهل الملل والردة"؛ من "الجامع لمسائل الإمام أحمد" (ص ٢٥٦).