الصحابةِ عليها ولا مُخالِفَ للواحدِ منهم عليها - قريبٌ مِن ألفِ مسألةٍ، وكثيرٌ منها ظنِّيٌّ غيرُ محرَّرٍ، ومنه ما لا يصِحُّ سنَدُه.
ولا بدَّ مِنَ النَّظرِ في منزِلةِ الصحابي المرويِّ عنه، وسنَدِ الرِّواية، وشهرةِ المسألة، وعدَدِ مَن روى عنه القولَ، وبَلَدِهِ التي قال بها وأَفتى، وحالِ المسألةِ ونَوْعِها، وهل مِثلُها يَشتهِرُ وَيرتفِعُ، أو هي مِن المسائلِ الخاصَّةِ التي لا تَعُمُّ بها البَلوى ولا تَشْتهِرُ؟
فقولُ أبي بكرٍ وعُمَرَ لو جاء وصحَّ، يَختلِف عن قولِ غيرِهما، لأنَّ مِثلَه يُطلبُ ويَشتهِرُ، ولا ينزلُ قول غيرِهِمَا من بعضِ صِغارِ الصحابةِ مَنزِلتَه، وحكمُ الواحدِ مِنهم في العباداتِ يَختلِفُ عنِ التعزيراتِ والعقوبات؛ لأنَّ العباداتِ لا يُجتَهَدُ فيها إلَّا في الضيِّقات، بخلاف العقوباتِ؛ فقد وسَّعتِ الشريعةُ في العقوبات، وضَيَّقَت في العبادات.
وقولُ الصحابيِّ على المِنبَرِ وفي مَشهَدِ جَماعةٍ، يَختلِفُ عن قولِه وفُتياهُ لواحدٍ مِن أصحابِه، والقولُ الذي يَرويهِ عنه واحدٌ غريبٌ - ولو صحَّ - يَختلِف عن قولٍ يَتتابعُ النَّقَلةُ على روايتِهِ عنه.
الجهاتُ التي يتحقَّقُ بها إجماعُ الصحابةِ:
وبيان ذلك أنَّ مَنِ التمَسَ إجماعَ الصحابةِ في قولٍ، فلا بُدَّ مِن النَّظرِ إلى جهاتٍ متعدِّدةٍ:
الأولى: النَّظرُ إلى قائلِه؛ فكُلَّما كان الصحابي متقدِّمًا وكبيرًا أو خليفةً، كان اشتِهارُ قولِه أظهَرَ؛ كالخُلفاءِ الراشدينَ الأربعةِ وأقرانِهم؛ فإنَّ قولَهم يَشتهِرُ ويُؤخَذُ به، وهم يَختلِفونَ عَن صِغارِ الصَّحابةِ الَّذين تأخَّرَ بهِمُ العُمْرُ حتَّى ذهَبَ كبارُ الصحابة، وجلُّ مَن يَأخذُ بقولِهم مِنَ التَّابعينَ الذين لا يُعتَدُّ بخِلافِهم للصَّحابة، وغالبًا أنَّهم لا يَجسُرونَ عليه، لإجلالِهم للصَّحابةِ ولو كانوا صِغارًا، ولقِلَّةِ عِلْمِهم بالنِّسبةِ للصَّحابةِ.