للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسُكوتُهم عَن قولِ الصحابيِّ لا يَعني في هذا الباب شيئًا؛ لأنَّ المرادَ هو سكوتُ الصَّحابة، وسكوتُ الصحابةِ يُرادُ مِنه الإقرارُ عليه أنَّه لَم يُخالِفْ ما جاء عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا لا يَكونُ في التَّابعينَ ولو كانوا كبارًا؛ لأنَّهم لم يُدرِكوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ومِنَ الصَّحابةِ الصِّغارِ مَن تأخَّرَ به الزَّمنُ حتَّى لم يُدرِك فَتواهُ إلَّا الواحدُ والاثنانِ مِنَ الصحابةِ مِثلِه؛ لِمَوْتِ أكثرِهم.

وكلَّما تقدَّمَ الصحابيُّ زَمَنًا، كان القولُ بالإجماعِ على قولِهِ أظهَرَ عندَ عدَمِ المُخالِفِ له مِنهم، وكلَّما تأخَّرَ زمَنُه، ضَعُفَ القول لحكايةِ إجماعِ الصَّحابةِ على قولِهِ لِعَدَمِ مخالفتهم له.

الثانيةُ: النَّظَرُ إلى المسألةِ المحكومِ بها مِن الصحابيِّ؛ فإنَّ مِن المسائلِ ما أصلُه السِّعَةُ والاجتهادُ، كالتَّعزيرات، ومِنه ما الأصلُ فيه التوقيفُ على النصِّ؛ كالعبادات، فقولُ الصحابيِّ وقضاؤُهُ بتعزيرِ عاصٍ على نوعٍ ووصفٍ ومقدارٍ معيَّنٍ مِن الذَّنْبِ، وسكوتُ الصَّحابةِ عنه: لا يَعْني القطعَ بكَونِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَضى به، ولا أنَّهم سكَتُوا عنه، للإجماعِ على عدَمِ جوازِ مُخالفَتِه.

ومِنَ المسائلِ: نَوازِلُ واردةٌ بعدَ انقِراضِ زمَنِ كبارِ الصَّحابةِ أو أكثَرِ الصحابةِ؛ فقولُ الصحابي الواحدِ فيها معَ عدَمِ المخالِفِ فيها مِنهم مِمَّن كان حيًّا: لا يَلزَمُ معه حِكايةُ الإجماعِ على ذلك.

ويفرَّقُ بين مسائلَ تعُمُّ بها البلوى، ويَشتهِرُ قولُ الواحدِ مِنهم لو قَضَى به، وبينَ مسألةٍ لا تُنقَل ولا تَعُمُّ بها البلوى عادةً؛ فالغالِبُ أنَّ النَّقَلةَ للخبَرِ لا يُبلِّغونَ به غيرَهُ مِن الصَّحابةِ.

الثالثةُ: النَّظرُ إلى الحالِ التي وقَعَ فيها القولُ، وهل كان مِثلُهُ يَشتهِرُ أو لا يَشتهِرُ؛ فما يقولُهُ الصحابيُّ على مِنبرٍ وشُهودُهُ صَحابةٌ: أظهَرُ في حكايةِ الإجماعِ عليه عندَ عدَمِ المُخالِفِ منهم؛ كقولِ الصَّحابةِ في

<<  <  ج: ص:  >  >>