للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الممتحنة: ٤]، وكلُّ ما استَثْنَتْهُ نبوَّةُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن أفعالِ الأنبياءِ، فهو دلِيلٌ على نسخِه، وأعظَمُ التأسِّي يكونُ بالاقتداءِ بفعلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

أنواعُ أفعالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:

وأفعالُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أنواعٍ:

النوعُ الأولُ: أفعالُ عبادةٍ؛ وهي الأصلُ في أفعالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالأصلُ فيما ورَدَ عنه مِن ذلك أنَّه تشريعٌ ويُتأسَّى به فيه، وما لم يكنْ تشريعًا تعبديًّا، فهو مِن الأفعالِ الحسنةِ التي لا تكونُ مذمومةً بحالٍ؛ فقد اختار اللَّهُ لنبيِّه أحسَنَ الأفعالِ، كما اختار له أحسَنَ الحديثِ.

وما كان مشتبِهًا مِن فعلِهِ وتردَّدَ: هل هو عبادةٌ أو عادةٌ؟ ولا مرجِّحَ بينهما، فيُلحَقُ بأصلِه، وهو التعبُّدُ.

النوعُ الثاني: أفعالُ عادةٍ؛ وهي ما يفعلُها النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما اعتادَهُ الناسُ مؤمِنُهم وكافِرُهم، ولم يَخُصَّ ذلك الفعلَ بتأكيدٍ وحثٍّ عليه بالقولِ؛ وذلك مِثلُ لُبْسِهِ العِمَامةَ والإزارَ والرِّداءَ والقميصَ، ورُكُوبِهِ الدوابَّ، فهذا الأصلُ فيه الاشتراكُ مع الناسِ المؤمِنِ والكافِرِ، ولم يَختَصَّ به المؤمنونَ عن غيرِهم؛ فحينئذٍ يُقالُ بأنَّه عادةُ الناسِ، لا سُنَّةٌ وعبادةٌ.

وأمَّا ما فعَلَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ممَّا كان الناسُ يفعلونَهُ مؤمِنُهم ومشرِكُهم، ولكنَّه حَثَّ عليه بالقولِ، فهذا تشريعٌ وعبادةٌ، وذلك كتشميرِ الإزارِ ورفعِهِ فوقَ الكعبَيْنِ؛ وذلك أنَّه مِن عادةِ العربِ تشميرُ الأُزُرِ؛ وذلك أنَّهم يرَوْنَهُ علامةً على القوةِ وتركِ النعومةِ والدَّعَةِ، وكانوا يَمْدَحونَ فاعِلَ ذلك؛ كما قال الشاعرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>