وفيها: دليلٌ على صحةِ شهادةِ الوالِدِ على ولَدِه، والعَكس، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِكَ؛ لأن التُّهْمةَ: في شهادةِ أحدِهما لصالِحِ الآخَرِ لا عليه، وإنْ كان هذا في الوالِدِ والولَد، فهي في غيرِهما مِن القَراباتِ مِن بابِ أَوْلى، ما لم يَكُنْ هناكَ ظِنَّةٌ تَمنَعُ، وتُهَمَةٌ تُؤثِّرُ؛ كخصومةٍ ونِزاعٍ وحسَدٍ عُرِفُوا به.
وذهَبَ الشَّافعيَّةِ: إلى أن شهادةَ الولَدِ على والِدِهِ لا تُقبَلُ في القِصَاص ولا في القَذفِ.
وأمَّا شهادةُ الوالِدِ لولَدِه، والعكسُ، فلا تصِحُّ عندَ عامَّةِ العُلَماءِ؛ وهو قولُ الأئمَّةِ الأَربعة، ورُوِيَ عن بعضِ السَّلَفِ صحَّتها؛ رُوِيَ عن قلَّةٍ مِن التَّابعينَ، وقال به إسحاقُ والمُزَنيُّ.
شهادةُ الإخوةِ والزوجَينِ بعضهم لبعضٍ:
وجوَّزَ مالكٌ شهادةَ الأخِ لأخِيهِ إنْ كان عدلًا إلَّا في النَّسَب، والجمهورُ على منعِ شهادةِ الزوجَينِ بعضِهما لبعضٍ، وجوَّزَها الشافعيُّ، وسببُ الخلافِ: تحَقُّقُ التهمةِ ومُوجِبِها، معَ قيامِ العَدالةِ والأمانةِ وقوَّتِها، وهذا يَرجعُ إلى الحالِ وقَرائنِها، ومواضعِ الشَّهادةِ ومحَلِّها، ومِقدارِ الحقِّ الضائعِ والمحفوظِ بتلكَ الشهادةِ أو عدَمِها، ووجودِ بيِّنةٍ غيرِها أو قرينةٍ تعضُدُها أو تُخالِفها؛ فقد تَقْوى القرائنُ عندَ القاضي في قبولِ شهادةِ القريبِ لقريبِهِ إن جاءَت قرائنُ تُؤكِّدُ صِدْقَه، أو تَعظُمُ المَفسَدةُ على الناسِ برَدِّها ولا تُهَمةَ فيها.