للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرادُ: أنَّ اللهَ قَضَى بِن الجميعِ وهو أعلَمُ بالغني والفقيرِ مِنهم، وهو أحق بمُعامَلتِهم بما يَعلَمُ حِكمَتَهُ، وهذا في قوله: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}، ولا يجتمِعُ عَدْلٌ وهوًى، وكلَّما زاد الهَوَى، مال بالعدلِ وانحَرَفَ.

وقولُه: {يَاأَيُّهَا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}، لَوَى اللِّسانَ: حرَفَهُ، كما في قولِهِ تعالى: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عمران: ٧٨]، والمرادُ: حَرْفُ الحُجَّةِ بعدَمِ الإفصاحِ عنها وإبانتها، أو بيانِ بعضِها وتركِ بعضٍ؛ كما يَفعَلُ اليهودُ في كتابهم.

والإعراضُ: هو تركُ الحقِّ كلِّه أو بعضِه، فَتأثَّرُ الحقوقُ بذلك، وفي هذا: وجوبُ الإتيانِ بالشهادةِ إنْ كان الحَقُّ لا يثبُت إلَّا بها، ولو لم يُسْتَشهَدِ الإنسانُ عليها؛ وعلى هذا يُحمَلُ قولُ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]، وقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألَا أُخبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ ! الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلهَا) (١).

* * *

قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠)} [النساء: ١٤٠].

في هذه الآيةِ: وجوبُ مفارَقةِ مجالسِ المستهزِئينَ مِن الكفَّارِ والمنافِقينَ؛ حتى لا يكونَ ذلك عونًا وتأييدًا لهم على شرِّهم، وإظهارًا للرِّضا بالسكوتِ؛ فيُشارِكَهُمُ الإنسانُ في الإثمِ.


(١) أخرجه مسلم (١٧١٩) (٣/ ١٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>