للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادةُ الذميِّ:

وفيها أيضًا: إشارةٌ إلى عدمِ جوازِ شهادةِ الذميِّ إلا بشرطَيْها؛ وهما في مِثْلِ هذه الوصيَّةِ: أنْ يكونَ المُسلِمُ في سَفَرٍ، وألَّا يجدَ شاهِدًا مُسلِمًا يَشهَدُ، فحتى لا يَضِيعَ حقُّهُ وحقُّ الناسِ مِن الوَرَثةِ وغيرِهم فيُشهِدُ الذِّمِّيَّيْنِ؛ وبهذا كان يَقضي السلفُ، وقد صحَّ عن شُرَيْح؛ قال: "لا تَصِحُّ شهادةُ الذِّمِّيِّ إلَّا في سفرٍ، ولا في السفرِ إلَّا في الوصيَّةِ" (١)؛ وبهذا يقولُ أحمدُ.

وذهَبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ والشافعيُّ: إلى عدمِ جوازِ شهادةِ الذميِّ على المُسلِمينَ، وجوَّزَ أهلُ الرأيِ شهادتَهم على أنفسِهم، وقد رُوِيَ عن الزُّهريِّ أنه قال: "مضَتِ السُّنَّة أنه لا تجوزُ شهادةُ الكافرِ على المُسلِمينَ لا في حضرٍ ولا في سفرٍ" (٢).

وإنَّما خَصَّتِ الآيةُ السفرَ والوصيَّةَ لإشهادِ الكافرِ على حقِّ المُسلِمِ؛ بخلافِ غيرِها مِن الأحوال؛ كالبُيُوعِ والدُّيُونِ والرَّهْنِ للحاضرِ والمسافِرِ؛ لأنَّ الاحتِضارَ في السفرِ يعجِزُ معه الإنسانُ عن البحثِ عن شاهدِ يَشهَدُ له في حقِّه؛ لكونِهِ عندَ غيرِ أهلِهِ وفي غيرِ بلدِه، بخلافِ ما لو كان بائعًا صحيحًا، فعندَهُ فُسْحةِ الوقتِ وصِحَّةِ البدنِ ما يَقدِرُ على الإشهادِ على حقِّه مِن المْسلِمينَ، فكان الأمرُ للمْحتضَرِ المسافرِ في بلدِ كفر بينَ أمرَيْنِ: الموتِ بلا وصيَّةٍ وتضييعِ المالِ والحقوق، أو الوصيَّة وإشهادِ كافرِ عليها يَحتمِلُ صِدقُهُ وكذبُهُ، ويُجعَلُ للمسلِمِ مِن الوَرَثةِ الحقُّ في الطعنِ فيها وإسقاطِها عندَ قيامِ بيِّنةٍ وقرينةٍ على فسادِ تلك الشهادةِ؛ فكان أخَفَّ الحالَيْنِ وأقَلَّ المَفسدتَيْنِ إشهادُ الكافرِ على وصيَّتِه.


(١) "تفسير الطبري" (٩/ ٦٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٩/ ٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>