للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، والصغيرُ السفيهُ الذي لا يُحسِنُ التصرُّفَ يستمِرُّ الحَجْرُ عليه حتَّى يَرْشُدَ ولو بلَغَ ما دامَ سَفَهُهُ متَّصِلًا، ويصحُّ ابتداءُ الحَجْرِ عليه ولو بعدَ بُلُوغِهِ؛ وهذا قولُ ابنِ عُمرَ وابنِ عبَّاسِ؛ وبه قال مالكٌ والشافعيُّ.

وذهَبَ أبو حنيفةَ: إلى أنَّ الحَجْرَ لا يكونُ لمَنْ كان مالُهُ بينَ يدَيْهِ بعدَ البوغِ والرُّشْدِ وإنْ بَذَّرَ وأسرَفَ، ما دامَ عاقلًا ليس بمجنونٍ، وإنَّما الحجرُ عليه صغيرًا، ولا يسلَّمُ مالُهُ حتَّى يرشُدَ ولو بعدَ بلوغِهِ، وحَدَّهُ أبو حنيفةَ بخمسٍ وعشرينَ سنةَ.

وخالفَ أبا حنيفةَ صاحباهُ محمَّدٌ وأبو يوسفَ؛ فقالا بقولِ الجمهورِ.

وقولُهُ تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾، والإشهادُ على الندبِ على ما تقدَّمَ، وحكمُه حكمُ الكتابةِ سواءٌ.

حكمُ الإشهادِ في العقودِ والمعامَلَاتِ:

وإرشادُ اللهِ للإشهادِ مِن رجالِنا بقولِه: ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، يُخرِجُ الكافرَ والصبيَّ والمرأةَ، وتتضمَّنُ الإضافةُ في الآيةِ الإشارةَ إلى استحبابِ إشهادِ مَن يَعرِفُ حالَكُمْ وتَعرِفونَ حالَهُ؛ تحذيرًا مِن إشهادِ المجهولِ والغريبِ الذي يَرْحَلُ ولا يَقَرُّ، ولا يَعرِفُ حالَ المتبايِعينَ والمتدايِنِينَ وحالَ سُوقِهِم، فينتفي حصولُ المقصودِ مِن الإشهادِ، فمَن كان مَجهولًا: قد يَخفى كُفْرُهُ وكذبُهُ ونفاقُهُ وخِدَاعُه، والغريبُ: قد يُسافِرُ ويُحتاجُ إليه فيُطلَبُ ولا يُوجَدُ، وهذا للإرشادِ والتعليمِ، ومِن بابِ أَوْلى إشهادُ الكافرِ، فالكافرُ ليس مِن رجالِ المسلِمِينَ، وقد اتَّفَقَ العلماءُ على عدمِ جوازِ شهادةِ الكافرِ في الديونِ والمعامَلاتِ، حكاهُ ابنُ المُنذِرِ وابنُ رُشْدٍ وغيرُهُما.

<<  <  ج: ص:  >  >>