للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك: فإنَّ الشريعةَ لا تُحِيلُ وَصْفَ المحرَّمِ إلى ما يَشُقُّ معرفتُه، فأنَّى للأبناءِ أنْ يَعرِفُوا فواحشَ الآباءِ؟ ! ولو زَنَى الرجلُ بامرأةٍ ولم يَعلَمْ به أحَدٌ، لم يَحِلَّ له أنْ يُخبِرَ ابنَهُ بزِناهُ إذا رغِبَ في نكاحِها؛ وإنَّما له أنْ يَمْنَعَهُ ويَنهَاهُ عنها، لا أنْ يُخبِرَهُ بزِناهُ؛ لأنَّ هذا هتكٌ لسِترِه وسِترِها، وإشاعةٌ للفاحشةِ.

وقولُه تعالى: ﴿مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ يحرُمُ نكاحُ زوجةِ الأبِ وإنْ علا؛ كالجَدِّ مِن جميعِ جهاتِه؛ مِن الأمِّ والأب، ويحرُمُ ذلك على الأبناءِ وإنْ نزَلُوا، ولو كانوا أبناءَ البنتِ.

نكاحُ الابنِ مولاةَ أبيهِ:

ويحرُمُ على الابنِ وطءُ الموطوءةِ مِن أبيهِ بمِلْكِ يمينٍ؛ لأنَّه نكاحٌ مشروعٌ أَشْبَهَ النكاحَ بعقدٍ، وهذا وطءٌ عقدِ المِلكِ.

وما يَملِكهُ الأبُ مِن الإماءِ إذا لم يَرَ الأبُ منها ما يحرُمُ عليه لو كان أجنبيًّا، جاز للابنِ الزواجُ بها، وأمَّا إذا رَأَى منها ما لا يراهُ إلا الزوجُ أو باشرَها مِن غيرِ جِماعٍ، فقد اختُلِفَ في تحريمِها على ابنِه، والصوابُ التحريمُ؛ وبه قال أَحمدُ، ورَوى ابنُ عساكرَ، عن خَدِيجٍ الخَصِيِّ مَوْلَى معاويةَ، عن معاويةَ؛ أنَّه أخَذَ بالمنعِ (١).

وقولُه: تعالى: ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ عفوٌ عمَّا مَضَى مِن الأفعالِ المُخالِفةِ لأمرِ الله، لا أنَّ اللهَ أحَلَّ لهم أنْ يُبْقُوا على نكاحِ نساءِ آبائِهم ممَّا سبَقَ نزولَ الوحيِ؛ فإنَّ اللهَ ذكَرَ في المحرَّماتِ مِن النساء، ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢ و ٢٣] في موضعَيْنِ؛ الأولُ: في زوجاتِ الآباء، والثاني: في الجمعِ بينَ الأُختَيْن، وهذا لأنَّهم في الجاهليَّةِ لم يَسْلفْ منهم نكاحُ غيرِ هاتَيْنِ مِن المحرَّمات، فهم يُعظِّمونَ المُحرَّماتِ التي


(١) "تاريخ دمشق" (١٢/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>