للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابعُ: أنَّ اللهَ ذكَرَ محرَّماتٍ وقيَّدَ التحريمَ بأوصافٍ، منها إذا تزوَّجَها الأبُ، ومنها الرَّضَاعُ, ومنها جمعُ الأُختَيْن، وهذه الأوصافُ لا تُغَيِّرُ حكْمَ الزِّنى قَبلَ وُجودِهِنَّ في المرأةِ وبَعْدَه، فالزِّنى حرامٌ، كان ذلك قبلَ الرَّضاع أو بعدَه، وبَعْدَهُ أشَدُّ، والزِّنى حرامٌ قبلَ نِكاحِ الأبِ أو بعدَه، وبعدَه أشَدُّ، والزِّنى بأُختِ الزوجةِ حرامٌ قبلَ العقدِ على الزوجةِ أو بعدَه، وبعدَه أشَدُّ.

والقولُ بأنَّ النِّكاحَ في قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ هو العقدُ: هو قولُ عامَّةِ السلفِ وجمهورِ الفقهاءِ.

خلافًا لأبي حنيفةَ وقولٍ لمالكٍ، ولازمُ قولِ أبي حنيفةَ: أنَّ مَن زَنَى بامرأةٍ حَرُمَ على ابنِهِ الزواجُ منها؛ لأنَّ النِّكاحَ في اللُّغةِ الضمُّ والجمعُ، وهو شاملٌ لهذا المعنَى.

ويدُلُّ على خطأِ هذا القولِ: أنَّ مَن عَقَدَ على امرأةٍ، ولم يَدخُلْ بها، لا يَحرُمُ على ابنِه الزواجُ منها؛ وهذا مخالفٌ للإجماع، وقد روى عليُّ بنُ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "كُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا أَبُوكَ أَوِ ابْنُكَ، دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ"؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (١).

ويدُلُّ على أنَّ التحريمَ مُتعلِّقٌ بالعقد، لا بالدخُولِ: أنَّ اللهَ حرَّمَ على البناتِ نِكاحَ أزواجِ أمَّهاتِهنَّ، وحرَّمَ على الأبناءِ نِكاحَ زوجاتِ آبائِهم، وقال في تحريم البناتِ على أزواجِ الأمَّهاتِ: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣]، فقيَّدَ التحريمَ بالدخولِ بأمهاتِهنَّ، وأطلَقَ التحريمَ في زوجاتِ الآباءِ بلا تقييدٍ، ولو كان مقيَّدًا بالدخول، لَقيَّدَهُ في حُرْمةِ زوجاتِ الآباءِ على الأبناء، كما قيَّدَهُ في حُرْمةِ أزواجِ الأمَّهاتِ على البناتِ.


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>