للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمُ نَظَرِ الرَّجُلِ الى المرأةِ:

لا يختلِفُ العلماءُ أنَّ نظرَ الرجلِ إلى ما يجوزُ للمرأةِ إظهارُهُ بشهوةٍ، أو عَلِمَ أنَّ نظرَهُ إليها يُثِيرُ فتنةً فيه: أنَّه حرامٌ، سواءٌ كانت شابَّةً أو قاعدًا، وسواءٌ كانتِ المرأةُ على الحقيقةِ أو صُورةً لها، ولو لم يكنْ يَعرِفُها؛ لأنَّ اللَّهَ حَرَّمَ النظرَ إلى المرأةِ لعِلَلٍ كثيرةٍ، مِن أَجَلِّها ما يَتْبَعُ النظرَ مِن إثارةِ الفتنةِ في الناظرِ وتشوُّفِهِ إلى الفاحشةِ؛ فالنظرُ يُحبِّبُ الحرامَ ولو في غيرِ المنظورِ إليها، وجُلُّ مَن وقَعُوا في النظرِ الحرامِ لم يقَعُوا في الزِّنى بِجُلِّ مَن نظَروا إليهِنَّ؛ وإنَّما في أُخْرَيَاتٍ غيرِهن؛ فالنظرُ الحرامُ وَقُودُ الزِّنى.

والأصلُ: أنَّ نظرَ الرجلِ إلى المرأةِ يُثِيرُ فتنةً؛ ولهذا جاء الأصلُ بالنهيِ عنه مِن غيرِ تقييدٍ؛ فإنَّ الفتنةَ قد لا تُوجَدُ مِن أولِ نظرةٍ ولا ثانيها ولا ثالثِها؛ وإنَّما تَحْيَا بالقلبِ مع إدامةِ النظرِ، فجاء النهيُ عن أولِه؛ حتى لا ينتهي بصاحِبِهِ إلى فتنةٍ في آخِرِه، ولمَّا كانتِ الفتنةُ غالبةً في النظرِ -خاصَّةَ المتكرِّرَ- جاء النهيُ عامًّا، ويشتدُّ الإثمُ بمقدارِ ورودِ الفتنةِ في صاحِبِه، وقد يكونُ النظرُ المحرَّمُ سهلًا في أولِه؛ لعدمِ قيامِ الفتنةِ فيه، ولكنَّه مع إدامتِهِ يكونُ كالقَيدِ الذي يُفتَلُ ويُوثِقُ صاحِبَهُ، والعينُ تَفتِلُ قيدَ القلب بإدامةِ النظرِ حتى يتقيَّدَ ولا يستطيعَ صَرْفَ البصرِ؛ ولذا لمَّا سأَل جريرٌ -رضي اللَّه عنه- رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن نظرِ الفَجْأَةِ، قال له: (اصْرِفْ بَصَرَكَ) (١).

ويجوزُ نظرُ الرجُلِ إلى المرأةِ للضرورةِ؛ كنظرِ القاضي في الخُصُوماتِ والحقوقِ الى وجهِ المرأةِ عندَ استشكالِهِ لحقيقتِها، إنْ لم يُوجَدْ مَن ينوبُ عنه في ذلك مِن النساءِ.

* * *


(١) أخرجه مسلم (٢١٥٩)، وأحمد (٤/ ٣٦١)، وأبو داود (٢١٤٨)، واللفظ لهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>