أمَرَ اللَّهُ المؤمناتِ بغضِّ البصرِ، وقدَّمَ غضَّ البصرِ على حِفْظِ الفَرْجِ، لأنَّ إطلاقَ البصرِ طريقٌ يَنتهي بإضاعةِ الفَرْجِ؛ فقدَّمَ اللَّهُ حِفْظَ الوسيلةِ لتُحفَط الغايةُ، ثمَّ نَهَى اللَّهُ نساءَ المؤمنِينَ عن إبداءِ الزِّينةِ، وثَمَّةَ تلازُمٌ بينَ إطلاقِ البصرِ وبينَ الزَّينةِ؛ وذلك أنَّه لا تُكثِرُ التزيُّنَ للرِّجالِ الأجانبِ إلَّا مَن أطلَقَت بصَرَها فيهم، فتشوَّفَتْ إليهم ببَصَرِها، فَزيَّنَتْ بدَنَها ولِبْسَها، ولو لم تُطلِقْ بصَرَها لم يكنْ في القلبِ داعٍ للتزيُّنِ لهم، ومَن حَفِظَت بصَرَها، حَفِظَت فَرْجَها، ولم يقعْ في قلبِها جذبُ الرجالِ إليها في الزينةِ؛ لأنَّ القبَ خالٍ منهم؛ ولهذا قدَّمَ اللَّهُ حِفظَ البصرِ على حِفظِ الفَرْجِ والنهي عن الزينةِ؛ لأنَّ البصرَ حبلٌ يَجذِبُ القلوبَ ويحرِّكُها إلى التزيُّنِ لإغراءِ الرِّجالِ وإغرائِهم والوقوعِ فى الحرامِ.
وشدَّدَ اللَّهُ على الرَّجُلِ في غضِّ البصرِ، وشَدَّدَ على المرأةِ في الحِجَابِ؛ حتى يُقلِّلَ ما بينَهما مِن تجاذُبٍ ومَيْلٍ، ولا يعني هذا أنَّه يجوزُ للرجلِ إبداءُ مَفَاتِنِه، ولا أنَّه يجوزُ للمرأةِ إطلاقُ بَصَرِها فتُفتَنَ، ولكنَّ الوحيَ يشُدُّ الحبالَ المُرتَخِيَة في النفوسِ أشَدَّ مِن الحبالِ الثابتةِ فيها، وأقرَبُ الناسِ إلى السقوطِ يُجذَبُ أشَدَّ مِن البعيدِ عنها؛ حتى تكتمِلَ فِطْرةً العَفَافِ وتَصِحَّ، فإذا لم يَغُضَّ الرجلُ بَصَرَهُ، فإنَّ المرأةَ تَدْفَعُ فِتنتَهُ