للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحجابِها، وإنْ لم تتحجَّبِ المرأةً، فالرجلُ يدفعُ فِتنتَها بغضِّ بصرِه؛ ولهذا ربَطَ اللَّهُ بينَ غضِّ البصرِ وبينَ الزِّنى؛ لأنَّه سببٌ له، فقال للرِّجالِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠]، وقال للنِّساءِ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾؛ ولكنَّه زادَ في النساءِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾.

ولا يختلِفُ العلماءُ على أنَّ نظرَ المرأةِ إلى ما يَفتِنُها مِن الرجالِ محرَّمٌ، سواءٌ كان نظرًا الى أَبْشَارِهم أو شخوصِهم، وأمَّا نظَرُ المرأةِ الى ما يجوزُ للرجلِ إبداؤُهُ مِن غيرِ فتنةٍ فيه، فقد وقَعَ في ذلك نزاعٌ بينَ الفقهاءِ:

فمِن العلماءِ: مَن أخَذَ بعمومِ النهي في الآيةِ، ولأنَّ الغالِبَ أنَّ نظرَ المرأةِ الى الرجلِ أنَّه فِتْنةٌ آجِلةٌ أو عاجِلةٌ؛ فمَن أطلَقَتْ بصرَها، انتهى بها إلى الافتتانِ؛ وهذا الصحيحُ مِن مذهب الشافعيِّ وأحمدَ، وعلى هذا جمهورُ الصحابةِ والتابعِين.

واللَّهُ قد أمَرَ النساءَ بمِثلِ ما أمَرَ به الرجالَ، ولم يفرِّق بينَهم، بل زاد النساءَ عدمَ إبداءِ الزينةِ.

وذهَب قومٌ: إلى جوازِ نظرِ المرأةِ إلى الرجلِ بغيرِ شَهْوةٍ؛ وذلك لأنَّ النبيَّ أَذِنَ لعائشةَ نَظَرَها إلى الحبشةِ وهم يَلْعَبونَ في المسجدِ، وظاهرُهُ: أنَّ عائشةَ تنظُرُ إلى لَعِبِهِمْ، لا إلى وجوهِهم، ولم تكنْ قريبةً منهم، فلم تكنْ تخُصُّ واحدًا منهم بل ترى حَرَكةَ الجماعةِ، ولم تكنْ أمامَ وجوهِهم بحيثُ تأخُذُ حُكمَ المُتقابلَيْنِ، ولم يكنِ النبيُّ يَأذَنُ لنسائِهِ بمحادَثَةِ الرجالِ وجهًا لوجهٍ، فتنظُرُ إليهم كما ينظُرُ الرجلُ إلى جليسِه.

وغالبًا ما تُطلِقُ المرأةُ أو الرجُلُ البصرَ ولا يَجِدَانِ الفتنةَ مِن النظرةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>