للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأُولى، ثمَّ ما يزالُ الشيطانُ يُسوِّلُ لهم الجوازَ؛ لإنعدامِ العِلَّةِ الداعيةِ للنهي؛ حتى تتولَّدَ الفِتْنةُ مع تَكْرارِهِ، فيُوقِعَهُمُ الشيطانُ في شِرَاكِه؛ فله خطواتٌ تَبدأُ بالمُباحِ وتَنتهي بالحرامِ الذي لا ينفكُّ منه صاحبُهُ.

وقولُه تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾:

نَهى اللَّه المرأةَ عن ابداءِ زينتها عندَ الرجالِ الأجانبِ، وهذه الآية دالَّةٌ بصريحِ الخِطَابِ على سَتْرِ الزينةِ حتى لا تَفتِن الرجالَ، ولم يأمُرِ اللَّه الرجالَ بعدمِ إبداءِ الزينةِ؛ لأنَّ المرأةَ فُطِرَتْ على التزيُّنِ أكثَرَ مِن الرجلِ، وتميلُ إليه فِطْرةَ، وتتنوَّعُ فيه، وتستكثِرُ فه، وتنشأُ عليه؛ كما قال تعالى عنها: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨]، ولأنَّ زينةَ المرأةِ تَجذِبُ الرجلَ أشدَّ مِن جذبِ زينةِ الرجلِ للمرأةِ، ولأنَّ الرجلَ أجسَرُ على إطلاقِ البصرِ المرأةِ.

وقولُه تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾: الخِمَارُ: اسمُ مصدرٍ؛ خَمَّرَ يُخمِّرُ تخميرًا، يعني: غطَّى، ومنه سُمِّيَ الخَمْرُ خمْرًا؛ لأنَّه يُغطِّي العقلَ، والخِمَارُ: لِبَاسٌ تَلَبَسُهُ وتشُدُّهُ المرأةُ في أعلاها على الرأسِ وما دونَه، ويُسمَّى النَّصيفَ، ويُستعملُ الخِمَارُ لتغطيةِ ثلاثةِ مواضعَ وشَدِّها، وكل واحدٍ منها يُضرَبُ عليه بالخمارِ:

الأولُ: الرأسُ؛ لظاهرِ الآيةِ، فالرأسُ مُرتكَزُ الخِمارِ وقاعدتُهُ، وفي بعضِ الأحاديثِ تُسمَّى عمامةُ الرَّجُلِ خِمَارًا؛ جاء ذلك مِن حديثِ المُغِيرةِ (١) وثَوْبانَ (٢) وبلالٍ (٣) وسَلْمانَ (٤)، وكانت أمُّ سلمةَ تمسحُ على


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٤).
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٢٨١).
(٣) أخرجه مسلم (٢٧٥).
(٤) أخرجه أحمد (٥/ ٤٣٩)، وابن ماجه (٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>