للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التشديدُ في حدِّ الحِرابةِ:

وتشديدُ الحدِّ وتخفيفُهُ بحسَبِ الاعتباراتِ السابقة، لا بما يهوى الحاكم ويُريدُ الناسُ.

ويظُنُّ كثيرٌ من الحُكَّامِ أنَّ إسقاطَ عقوباتِ التعزيرِ وتخفيفَها أو تشديدَها إلى ما يَهْوَوْنَ هم، وهذا غلطٌ؛ ولذا ترى منهم مَن يعفو عن التعزيرِ كالجَلْدِ والحبسِ بلا سببٍ عامٍّ؛ وإنَّما لسببٍ خاصٍّ به؛ كشفاءِ الحاكمِ مِن مرضٍ أو تولِّيهِ لزمامِ حُكْمٍ؛ وهذا خلطٌ في مَنَاطِ إلحاقِ الحقِّ في أبوابِ التعزيرِ والعفوِ عن المُخطِئِينَ؛ فإنَّ مَناطَ ذلك إلى مصلحةِ المُخْطِئ ومصلحةِ مَن تأذَّى منه؛ فإنْ رَأَى أنَّ إطلاقَهُ أَصْلَحُ للمُخطئِ وللناس، أطلَقَهُ ولو كان القاضي والحاكمُ يُحبُّ بقاءَهُ، وإنْ رأى أنَّ بقاءَه أصلَحُ له وأصلُحُ لأمرِ الناس، أبقاهُ ولو كان القاضي والحاكمُ يُحبُّ إطلاقَه.

وإجمالُ الله لحَدِّ الحِرابة، مع الجزمِ بحدوثِ القتلِ في الأحيان، وأخذِ المالِ في أكثرِها -دليلٌ على أنه لا يُشترَطُ في القتلِ المكافأةُ، ولا يُشترَطُ في القطعِ نِصابٌ في المالِ المسروقِ في الحِرابةِ؛ فليس الحدُّ حدَّ سرقةٍ، ولا يعودُ الحقُّ لصاحِبِ المال، ثم إنَّ حدَّ السرقةِ يُشترَطُ فيه أنْ يكونَ المالُ في حِرْزٍ، وحدُّ الحِرَابةِ لا يُشترَطُ فيه هذا، وشرطُ الحِرْزِ أشَدُّ مِن شرطِ النِّصَابِ عندَ إقامةِ حدِّ السرقة، وعدمُ اشتراطِ النِّصَابِ في المالِ المأخوذِ حِرابةً هو قولُ جمهورِ العلماءِ؛ خلافًا لأهلِ الرأي وقولٍ للشافعيِّ؛ فاشترَطُوا بلوغَ المالِ نصابًا لوجوبِ حدِّ الحِرَابةِ.

الحكمةُ من حدِّ الحِرَابةِ:

وقد بَيَّنَ الله تعالى الحِكْمةَ من حدِّ الحرابةِ؛ وذلك في قولِه تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}،

<<  <  ج: ص:  >  >>