للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مُقابِلِ الهدايات، والمعاصي في مُقابِلِ الطاعات، وقَدْرَ كلِّ واحدةٍ على ضدِّها، وقد روى مسلمٌ، عن مُصعَبِ بنِ سعدٍ؛ قال: دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللهَ لِي يَا بْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ)، وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ (١).

* * *

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: ٢٨].

نَجَاسةُ الكافرِ مَعْنَوِيَّةٌ:

في هذا: بيانٌ لنجاسةِ المشرِكينَ، ولكنَّها نجاسةُ دِينٍ وعقيدةٍ، لا نجاسةُ جسمٍ وبدنٍ، عندَ عامَّةِ السَّلَف، خِلافًا للحسَنِ؛ فقد قال: "لا تُصافِحُوهم، فمَن صافَحَهُمْ فلْيتَوضَّأُ"، رواهُ عنه أشعثُ بن سَوَّارٍ، عندَ الطَّبريِّ (٢).

وكان قتادةُ يَجعَلُها متعلِّقةً بالجَنابةِ (٣)، وأنَّهم لا يَغتسِلونَ، ولكنَّ هذا لا يَرتفِعُ لو أنَّ كافرًا اغتسَلَ؛ لأنَّ الأمرَ عُلِّقَ بشِرْكِهِ لا بجَنابتِه، بخلافِ المسلم؛ فهو ممنوعٌ مِن دخولِ المسجِدِ لجَنَابتِهِ؛ كما في قولِه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣]، وأمَّا المشرِكُ، فعُلِّقَ بشِرْكِهِ: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}، والجَنَابةُ لا تَنْقُلُ الحُكْمَ في الَبَدَنِ مِن طاهرٍ إلى نَجَسٍ.


(١) أخرجه مسلم (٢٢٤).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٩٩).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٩٧)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>