واللهُ شَرَعَ صلاةَ الخوفِ، وعقَّبَ بعدَ تشريعِهِ لها بالنَّهْيِ عن تركِ طلبِ العدوِّ، فإنَّ طلَبَ العدوِّ يَتْبَعُهُ خوفٌ ولو كان سببَهُ المؤمنونَ، وصلاةُ الخوفِ مشروعةٌ ما تحقَّقَ الخوفُ؛ سواءٌ كان المؤمنُ طالبًا أو مطلوبًا.
وفي الآياتِ: أنَّ اللهَ لمَّا شرَعَ صلاةَ الخوفِ تخفيفًا ورَحْمةً، كأنَّما عقَّبَ بعِلَّةِ التخفيفِ بقوله: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾؛ يَعني: يَسَّرَ اللهُ لكمُ الفريضةَ بصلاةِ الخوفِ؛ لِتَقْوَوْا على طبِ الكافِرينَ ولا تَضْعُفُوا عن ذلك.
والألَمُ في الآيةِ هو الوجَعُ مِن الإصابةِ في النفسِ والبدنِ؛ وذلك أنَّ المشركينَ آذَوْا رسولَ اللهِ وأصحابُ بالقولِ وبالجِرَاحةِ في أُحُدٍ، وألَمُ النفوسِ أشَدُّ مِن ألمِ الأبدانِ؛ ولهذا ذكَرَ النبيُّ ألَمَهُ مِن طردِ أهلِ الطائفِ له أشَدَّ مِن جِرَاحَتِه في أحُدٍ.
فضلُ جهادِ الطلبِ؟
وهذه الآيةُ في جهادِ الطلبِ؛ فقولُه: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ يَعني: لا تَضْعُفوا عن قصدِهم وطلبهِم؛ فالواجبُ أن تكونوا طالبِينَ لا مطلوبِينَ؛ فإنَّ (الابتغاءَ) في قولِه: ﴿فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ مصدرُ ابتَغَى يَبْتَغِي؛ بمعنى: طلَب يَطلُبُ، كما في قولِهِ: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]، وقولِهِ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة: ٥٠]؛ يعني: يَطلُبونَ ويَقصِدونَ ويُريدون، وقولِه: ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٤٥]؛ يعني: يَطلُبونَها ويُريدونَها منحرِفةً معوجَّةً، وقولِهِ تعالى: ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ﴾ [التوبة: ٤٧]؛ يُريدونَ لكم ويَطْلُبونَ فيكمُ الفتنةَ، ومِن هذا حالُ المؤمنينَ في الجَنَّةِ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف: ١٠٨]؛ يعني: لا يَطْلُبونَ انتقالًا ولا تحوُّلًا منها إلى غيرِها.
وفي الآيةِ: دليلٌ على مُبادَأةِ العدوِّ بالغزو، ونهيٌ عنِ التقاعُسِ عن ذلك، ووجوبُ البعدِ عن أسبابِ الوَهَنِ والضَّعْفِ المُوجِبِ لتَرْكِ جهادِ