للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جماعةً؛ كما أنَّه لا يُفهَمُ مِن الآيةِ: أنَّه يجوزُ للصحابةِ شربُ الخمرِ قبلَ تحريمِهِ قُبيلَ الصلاةِ فيُعذَرُوا بتركِ الصلاةِ؛ بل إنَّ الآيةَ دالَّةٌ على النهيِ عن الفعلِ قبلَ الصلاةِ حتى لا تُترَكَ الصلاةُ؛ ولهذا كانوا يَشربونَها بعدَ نزولِ هذه الآيةِ وقبلَ التصريحِ بالتحريمِ بعدَ صلاةِ العِشاءِ وبعد صلاةِ الغداةِ؛ كما روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: "كانوا لا يشربونَها عندَ الصلاة، فإذا صَلَّوُا العِشاءَ شرِبوها، ولا يُصبِحُونَ حتى يَذهَبَ عنهم السُّكْرُ، فإذا صلَّوُا الغَدَاةَ شرِبُوها؛ فما يأتي الظُّهْرُ حتى يذهَبَ عنهم السُّكْرُ" (١).

ويُستثنَى مَن لم يَجِدْ طعامًا إلَّا ثُومًا أو بصلًا، فله أكلُهُ ولو قبلَ الصلاة، ويُعذَرُ بتركِها جماعةً، واللهُ أعلَمُ.

دخولُ المساجِدِ للجُنُب:

وقولُه تعالى: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ يتضمَّنُ تحريمَ الصلاةِ بلا طهارةٍ، وتحريمَ دخولِ المسجدِ إلَّا برفعِ الحَدَثِ الأكبرِ أو تخفيفِهِ بوضوءٍ؛ كما هو عملُ الصحابةِ.

والنهيُ عن قرْبِ الصلاةِ إلَّا بغسْلٍ للجُنُب مُطلَقٌ قُّيِّدَ بما بعدَهُ مِن جوازِ التيمُّمِ عندَ فقدِ الماء، وليس في الآيةِ منعُ الجُنُب مِن قُرْبِ الصلاةِ عندَ فقدِ الماءِ في الحَضَرِ بدَلَالةِ اقترانِهِ مع السَّكْران، وذكَرَ الغُسْلَ في قوله: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾؛ لأن الآيةَ جَرَتْ مَجرى الغالبِ؛ فالماء يُوجَدُ في الحَضَر، وكذا في المساجدِ؛ فالمسافِرُ مَظِنَّةُ فَقْدِ الماءِ والصلاةِ في العراءِ، وليس في الآيةِ حَصْرٌ؛ وإنَّما هي لبيانِ اشتراكِ الحُكْمِ بينَ السَّكْرانِ والجُنُبِ في تحريمِ دخولِ المسجدِ فضلًا عن أداء الصلاةِ، فنهيُ الجُنُبِ قَدْرٌ زائدٌ عن نهيِ المُحْدِثِ حَدَثًا أصغَرَ، فيجوزُ للمُحْدِثِ حَدَثًا


(١) "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>