للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدٍ مِن هؤلاء جعَلَهُ النبيُّ في مهمَّةٍ، وربَّما نازَعَ بعضُ الصحابةِ فيهم، فأرادُوا مِثلَهم.

أثرُ الغنائمِ على نفوسِ المُجاهدِينَ:

وقد سُمِّيَتِ الغنائمُ التي يَغنَمُها المُسلِمونَ مِن المشرِكينَ في قتالِهم أنفالًا؛ لأنَّها لم تكنْ مطلوبةً بعَيْنِها، ولا مقصودةً بِنَفْسِها، فلم يُبعَثُوا جُبَاةٌ ولا مُغتصِبِين؛ وإنَّما داعِينَ إلى الله، ومُرغِمينَ للكافرِين، فزادَهُم اللهُ على ذلك المَقصَدِ هذا المالَ المُغتنَمَ؛ وفي هذا دليلٌ على عِظَمِ المَقصَدِ في الجهاد، وخطرِ فصورِ النيَّةِ وضَعْفِها في المجاهِدِين، فمَن عرَفَ الغايةَ والمَقصَدَ مِن القتال، أقدَمَ عليها لا على غيرِها، ولم يَمنَعْهُ عدمُ الغنيمةِ مِن الجهاد، ولا يجعلُهُ يُنشِئُ الجهادَ ليَغنَمَ؛ لأنَّها نافلةٌ وزائدةٌ امتَنَّ اللهُ بها على المُسلِمينَ، وإذا تغيَّرَتِ الأولويَّاتُ وانقلَبَتِ المقاصدُ, تنازَعَ الناسُ على الغنيمة، وسفَكَ بعضُهم دمَ بعضِ لأَجْلِها، وإذا اقتتَلَ المُجاهِدونَ على الغنائم، فهذه علامةٌ على صَعْفِ القصد، وجعلِ المالِ أصلًا، والإسلامِ نَفْلًا، والأصلُ أنَّ اللهَ حَفِظَ الإسلامَ أصلًا، والمالَ نَفْلًا، ولم يُشرَعِ الجهادُ إلَّا لإعلاءِ كلمةِ اللهِ وعصمةِ المُسلِمينَ ودمائِهم بكسرِ شَوْكةِ الكافرِين، وسفكُ المُسلِمينَ دماءَ بعضٍ لأجلِ الغنيمةِ علامةٌ ظاهرةٌ على أنَّ الغنائمَ ليستْ أنفالًا، بل غاياتٌ مقصودةٌ، استتَرَتْ برِفْعةِ الإسلامِ وعلوِّ شأنِه، فلِلنَّفْسِ دفينٌ مِن مقاصدِ السُّوءِ يُظهِرُهُ الطمعُ.

وقد كان بعضُ الصحابةِ ربَّما اختلَفُوا في الغنيمة، واشتَكَى بعضُهم إلى النبيِّ ، ولكنَّهم لإيمانِهم ما كانوا يَتقاتلُونَ ولا يَتقاطعُونَ ولا يَتفرَّقُونَ عن جماعةٍ واحدةٍ إلى جماعاتٍ .

وقد تقدَّمَ مزيدُ كلامٍ عن بعضِ العِلَلِ في تشريعِ اللهِ للغنائمِ وتنفيلِ المُسلِمينَ لها وحُرْمتِها على السابقينَ، عندَ قولِهِ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>