للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخمرُ مأخوذٌ مِن التخميرِ، وهو التغطيةُ؛ فكلُّ ما خامَرَ العقلَ وغيَّبَهُ، فهو خَمْرٌ، وتخميرُ الإناءِ: تغطيتهُ، وخِمَارُ المرأةِ: ما ستَرَها، وكلُّ مشروبٍ أو مطعومٍ أو مُسَتنشَقٍ يغيِّبُ العقلَ: داخِلٌ في معنَى الخَمْرِ.

إقامةُ الحدِّ على آكلِ المخدِّرات:

واختلَفَ الفقهاءُ في المخدِّراتِ والحَشيشةِ؛ هل يُقامُ على متناوِلها حَدُّ شاربِ الخَمْرِ أم لا؟ ! على أقوالٍ ثلاثةٍ:

قيلَ: بِأخذِها حُكْمَ الخمرِ في الحدِّ.

وقيلَ: لا تأخُذُ حُكمَه.

وقِيل: تأخُذُ حُكْمَهُ، ويُزادُ على ذلك تعزيرًا؛ للإضرارِ بالنفسِ؛ فإنَّ الخمرَ يغيِّبُ العقلَ ولا يُتلِفُهُ، وأمَّا المخدِّراتُ والحشيشةُ، فغالِبُها يغيِّبُ العقلَ ويُتلِفُهُ، فهو كمَنْ شَرِبَ خمرًا وتَناوَلَ سُمًّا؛ يُجلَدُ حدَّ السُّكْرِ، ويعزَّرُ على تناوُلِ السُّمِّ.

والنصوصُ جاءتْ عامَّةً في إشراكِ كُلِّ مُسْكِرٍ في الحدِّ، ولم يقيَّدْ بنوعٍ دونَ نوعٍ، ولا بصفةِ تناوُلٍ معيَّنةٍ، فالمشروبُ والمأكولُ والمستنشَقُ في ذلك سواءٌ؛ فقد جاءَ في "الصحيحَيْنِ" عن عائشةَ ، عن النبيِّ أنه قال: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ) (١).

وفي "الصحيحَيْنِ", عنْ أبي مُوسَى، عنِ النبيِّ ؛ أنَّه سُئِلَ فقيل له: عِنْدَنَا شَرَابٌ مِنَ العَسَلِ يُقالُ لَهُ: البِتْعُ، وشَرابٌ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: المِزْرُ؟ قَالَ: فقال: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) (٢).

والشريعةُ وإنْ غلَبَ إطلاقُها السُّكْرَ على المشروبِ؛ فلأنَّ عُرْفَ


(١) أخرجه البخاري (٢٤٢) (١/ ٥٨)، وسلم (٢٠٠١) (٣/ ١٥٨٥).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٤٣) (٥/ ١٦١)، ومسلم (١٧٣٣) (٣/ ١٥٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>