للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العِبادةَ على ما يُرِيدُ اللهُ؛ وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.

والعِلمُ بالصلاةِ وما فيها شرطٌ لصحَّةِ الصلاة، ولا يكونُ هذا إلا مِن عاقلٍ.

صلاةُ غيرِ العاقِلِ:

ولا خلافَ عندَ العلماءِ: أنَّه لا تَصِحُّ صلاةُ فاقِدِ العقلِ بجنونٍ أو سُكْرٍ.

وأمَّا مَن شَرِبَ الخمرَ، ولم يَفقِدْ عقلَهُ كشاربِ القليلِ، أو شَرِبَ كثيرًا ممَّا لا يُسكِرُ إلَّا الكثير الفاحِشُ منه، فقد أَثِمَ واستوجَبَ الحَدَّ، وصلاتُهُ صحيحةٌ لسلامةِ عقلِهِ.

حكمُ تصرُّفاتِ السَّكْرانِ:

وألحَقَ بعضُ الفقهاءِ ببُطْلانِ صلاتِهِ بطلانَ قولِهِ وفعلِهِ في غيرِ الصلاةِ؛ كالطَّلاقِ والعَتَاقِ والنِّكاحِ والبيع، وفي المسألةِ خلافٌ قديمٌ عندَ السلفِ وتَبِعَهم الخَلَفُ على أقوالٍ:

القولُ الأول: كلُّ قولٍ مِن السَّكْرانِ باطلٌ؛ مِن بيعٍ وعَتَاقٍ ونكاحٍ وطلاقٍ، ويُحَدُّ بما تَجْنِيهِ جوارحُهُ مِن سرقةٍ وقتلٍ وزِنًى.

وهذا قولُ القاسمِ بنِ محمدٍ وطاوسٍ وعطاءٍ، وذهب إليه اللَّيْثُ والمُزَنِيُّ وأبو العبَّاسِ بن سُرَيْجٍ، ونَسَبَهُ بعضُ فُقهاءِ الشافعيَّةِ قولًا قديمًا للشافعيِّ، وأنكَرَ نِسبَتَهُ للشافعيِّ المَاوَردِيُّ وغيرُه.

القولُ الثاني: يَلزَمُ السكرانَ كلُّ شيءٍ مِن تَبِعَةِ قوْلِهِ وفِعْلِهِ؛ وهذا قولُ أبي حنيفةَ، واستثنَى ما استثناهُ غيرُه مِن العلماءِ ما كان مِن حقِّ اللهِ؛ كألفاظِ الكفرِ والرِّدَّة، وكذا الإقرارُ بالحدودِ على نفسِه.

القولُ الثالثُ: يَلزَمُ السَّكْرانَ الطلاقُ والعَتَاقُ والقَوَدُ، ولا يَلزَمُهُ النِّكاحُ والبيعُ؛ وهذا قول مالكٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>